كتاب نظم الدرر فى تناسب الآيات والسور - العلمية (اسم الجزء: 5)
صفحة رقم 46
[ الروم : 55 ] فلا يزالون في إفك وصرف عن الحق في الدارين ، لأن الإنسان يموت على ما عاش عليه ، ويبعث على ما مات عليه ، ويجوز أن يكون المراد أن من قال : إن لبثهم يوم واحد ، أمثلهم في نفس الأمر ، لأن الزمان وإن طال إنما هو يوم متكرر ، ليس مراداً لنفسه ، وإنما هو مراد لما يكون فيه فإن كان خيراً كان صاحبه محموداً ولم يضره قصره ، وإن كان شراً كان مذموماً ولم ينفعه طوله ، ويجوز أن يكون أنث أولاً إرادة الليالي ، لأنها محل الراحة المقصودة بالذات ، فكان كأنهم قالوا : لم يكن لنا راحة إلا بزمن يسير جداً أكثر أول العقود ، ونص الأمثل على اليوم الذي يمون الكد فيه للراحة في الليل إشارة إلى أنهم ما كان لهم في اللبث في الدنيا يستراح فيها .
وإن كانت فيه راحة فهي ضمنية لا أصلية .
ولما أخبر عن بعض ما سبق ثم عن بعض ما يأتي من أحوال المعرضين عن هذا الذكر فيما ينتجه لهم إعراضهم عنه ، وختم ذلك باستقصارهم مدة لبثم في هذه الدار ، أخبر عن بعض أحوالهم في الإعراض فقال : ( ويسألونك عن الجبال ( ما يكون حالها يوم يتفخ في الصور ؟ شكا منهم في البعث وقوفاً مع الوهم في أنها تكون موجودة على قياس جمودهم لا محالة ، لأنها أشد الأشياء قوة ، وأطولها لبثاً ، وابعدها مكثاً ، فتمنع بعض الناس من سماع النفخ في الصور ، وتخيل للبعض بحكم رجع الهواء الحامل للصوت أنه آتٍ من غير جهته فلا يستقيم القصد إلى الداعي ) فقل ) أي فتسبب عن علمنا بأنهم يسألونك هذا السؤال أنا نقول لك : قل ، أو يكون على تقدير شرط ، اي فإذا سألوك فقل لهم ، وهذا بخلاف ما نول بعد وقوع السؤال عنه مثل الروح وقصة ذي القرنين فإن الأمر بجوابه على طريق الاستئناف لما هناك من استشراف النفس للجواب ) ينسفها ) أي يقلعها من أماكنها ويذريها بالهواء ) ربي ( المحسن إليّ بنصري في يوم القيامة نصراً لا يبلغ كنهه ) نسفاً ( عند النفخة الأولى ) فيذرها ) أي أماكنها ) قاعاً ) أي ارضاً ملساء ) صفصفاً ) أي مستوياً كأنه صف واحد لا اثر للجبال فيه ) لا ترى ) أي بالبصر ولا بالبصيرة ) فيها ) أي مواضع الجبال ) عوجاً ( بجه من الوجوه ، وعبر هنا بالكسر هو للمعاني ، ولم يعبر بالفتح الذي يوصف به الأعيان ، ومواضع الجبال أعبيان لا معاني ، نفياً للاعوجاج على أبلغ وجه ، بمعنى أنك لو جمعت أهل الخبرة بتسوية الأراض لا تفقوا على الحكم باستوائها ، ثم لو جمعت أهل الهندسة فحكموا مقاييسهم العلمية فيها لحكموا بمثل ذلك ) ولا أمتاً ) أي شيئاً مرتفعاً كالكدية أو نتوّاً يسيراً أو شقاً أو اختلافاً ؛ وقال البيضاوي والزمخشري : الأمت النتوّ اليسير ، قال الغزالي في الدرة الفاخرة : ينفخ في الصور فتطاير الجبال ، وتفجر الأنهار بعضها في بعض ،