كتاب نظم الدرر فى تناسب الآيات والسور - العلمية (اسم الجزء: 5)
صفحة رقم 48
تستدعي وجود الموضوع في الخارج ، وإنما حول العبارة لأن المقصود بالذات النفع ، فنفيه بادىء بدا أفظع ، وقرع السمع به أولاً أهول وافزع ) إلا ) أي إلا شفاعة ) من أذن له الرحمن ( العم النعمة ) ورضي له قولاً ( ولو الإيمان المجرد .
ولما نفي أن تقع الشفاعة بغير إذنه ، علل ذلك - كما سلف في آية الكرسي - بقوله : ( يعلم ما بين ايديهم ) أي الخلائق وهو كل ما يعلمونه ) وما خلفهم ( وهو كل ما غاب عنهم علمه ، أي علمه سبحانه محيط بهم ، فهو يمنع قلوبهم في ذلك اليوم بما يوجد من الأسباب أن تهم بما لا يرضاه ) ولا يحيطون به علماً ( ليجترزوا عما يقدره عليهم ، و ) علماً ( تمييز منقول من الفاعل ، أي ولا يحيط علمهم به - قال أبو حيان .
والأقرب عندي كونه منقولاً عن المفعول الذي تعدى إليه الفعل بحرف الجر ، أي ولا يحيطون بعلمه ، فيكون ذلك أقرب إلى ما في آية الكرسي .
ولما ذكر خشوع الأصوات ، أتبعه خضوع دونها فقال : ( وعنت الوجوه ( اي ذلت وخضعت واستسلمت وجوه الخلائق كلهم ، وخصها لشرفها ولأنها أول ما يظهر فيه الذل ) للحي ( الذي هو مطلع على الدقائق والجلائل ، وكل ما سواه جماد حيث ما نسبت حياته إلى حياته ) القيوم ( الذي لا يغفل عن التدبير ومجازاة كل نفس بما كسبت ) وقد خاب ) أي خسر خسارة ظاهرة ) من حمل ( منهم أو من غيرهم ) ظلماً ( .
ولما ذكر الظلم ، أتبعه الحكيم فقال : ( ومن يعمل ( ولما كان الإنسان محل العجز وإن اجتهد ، قال ) من الصالحات ) أي التي أمره الله بها بحسب استطاعته ، لأنه ( لن يقدر الله أحد حق قدره ) ( ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه ) ) وهو مؤمن ( ليكون بناؤها على الأساس ، وعبر بالفاء غشارة إلى قبول الأعمال وجعلها سبباً لذلك الحال فقال : ( فلا يخاف ( بأن ينسب إليه سوء لم يقترفه لأن الجزاء من جنس العمل ، وقراءة ابن كثير بلفظ النهي محققة للمباغة في النفي ) ولا هضماً ( اي نقصاً من جزائه وإن كان هو لم يوف المقام حقه لأنه لا يستطيع ذلك ، وأصل الهضم الكسر ، وأما غير المؤمن فلو عمل أمثال الجبال من الأعمال لم يكن لها وزر .
طه : ( 113 - 115 ) وكذلك أنزلناه قرآنا. .. . .
) وَكَذلِكَ أَنزَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً وَصَرَّفْنَا فِيهِ مِنَ الْوَعِيدِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ أَوْ يُحْدِثُ لَهُمْ ذِكْراً فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ وَلاَ تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِن قَبْلِ إَن يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُ وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْماً وَلَقَدْ عَهِدْنَآ إِلَى ءَادَمَ مِن قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً ( ( )
ولما اشتملت هذه الآية على الذروة من حسن المعاني ، فبشرت ويسرت ، وأنذرت وحذرت ، وبينت الخفايا ، وأظهرت الخبايا ، مع ما لها من جلالة السبك وبراعة