كتاب نظم الدرر فى تناسب الآيات والسور - العلمية (اسم الجزء: 5)
صفحة رقم 49
النظم ، كان كأنه قيل تنبيهاً على جلالتها : أنزلناها على هذا المنوال العزيز المثال ) وكذلك ) أي ومثل هذا الإنزال ) أنزلنه ) أي هذا الذكر كله بعظمتنا ) قرآناً ( جامعاً لجميع المعاني المقصودة ) عربياً ( مبيناً لما أودع فيه لكل من له ذوق في أساليب العرب .
ولما كان أكثر هذه الآيات محذراً ، قال : ( وصرفنا ( اي بما لنا من العظمة ) فيه من الوعيد ) أي ذكرناه مكررين له محولاً في أساليب مختلفة ، وأفانين متنوعة مؤتلفة .
ولما ذكر الوعيد ، أتبعه ثمرته فقال : ( لعلهم يتقون ) أي ليكون الناظر لهم بعد ذلك على رجاء من أن يتقوا ويكونوا به في عداد من يجدد التقوى كل حين ، بأن تكون له وصفاً مستمراً ، وهي الحذر الحامل على اتخاذ الوقاية مما يحذر ) أو ( فيعداد من ) يحدث ) أي يجدد هذا التصريف ) لهم ذكراً ( اي ما يستحق أن يذكر من طرق الخير ، فيكون سبباً للخوف الحامل على التقوى ، فيردهم عن بعض ما تدعو إليه النفوس من النقائض والبؤس .
ولما بلغت هذه الجمل نهاية الإعجاز ، فاشتملت على غاية الحكمة ، دالة على أن لقائلها تمام العلم والقدرة والعدل ف أحوال الدراين ، تسبب عن سوقها كذلك أن بان له من العظمة ما أفهمه قوله ، معظماً لنفسه الأقدس بما هو له أهل بعد تعظيم كتابه تعليماً لعباده ما يجب له من الحق دالاً بصيغة التفاعل على مزيد العلو : ( فتعلى الله ) أي بلغ الذي لا يبلغ الواصفون وصفه حق وصفه من العلو أمراً لاتحتمله العقول ، فلا يلحقه شيء من غلحاد الملحدين ووصف المشركين ) الملك ( الذي لا يعجزه شيء ، فلا ملك في الحقيقة غيره ) الحق ( اي الثابت الملك ، فلا زوال لكونه ملكاً في زمن ما ؛ ولعظمة ملكه وحقية ذاته وصفاته صرف خلقه على ما هم عليه من الأمور المتباينة .
ولما كانت هذه الآيات في ذم من أعرض عن هذا الذكر ، كان تقدير : فلا تعرض عنه ، بل أقبل عليه لتكون من المتقين الذاكرين ، ولما كان هذا الحث العظيم ربما اقتضى للمسابق في التقوى المبالغة في المبادرة إليه فيستعجل بتلقفه قبل الفراغ من إيحائه ، قال عاطفاً على هذا المقدر : ( ولا تعجل بالقرآن ) أي بتلاوته .
ولما كان النهي عاماً لجميع الأوقات القبلية ، دل عليه بالجار لئلا يظن أنه خاص بما يستغرق زمان القبل جملة واحدة فقال : ( من قبل أن ( ولما كان النظر هنا إلى فراغ الإيحاء لا إلى موح معين ، بنى للمجهول قوله : ( يقضى ) أي ينهى ) إليك وحيه ( من الملك النازل إليك من حضرتنا به كما أنا لم نعجل بإنزاله عليك جملة ، بل رتلناه لك