كتاب نظم الدرر فى تناسب الآيات والسور - العلمية (اسم الجزء: 5)
صفحة رقم 50
ترتيلاً ، زنزلناه إليك تنزيلاً مفصلاً تفصيلاً ، وموصلاً توصيلاً - كما أشرنا غليه أول السورة ، فاستمع له ملقياً جميع تأمك إليه ولا تساوقه بالقراءة ، فإذا فرغ فاقرأه فإنا نجمعه في قلبك ولا نسقيك بإنسائه وأنت مصغ إليه ، ولأ بتكليفك للمساوقة بتلاوته ) وقل ربي ( اي المحسن إليّ بإفاضة العلو عليّ ) زدني علماً ) أي بتفهيم ما أنزلت إليّ منه وإنزال غيره كما زدتني بإنزاله وتحفيظه ، لتتمكن من معرفة الأسباب المفيدة لتبع الخلق لك ، فإنه كما تقدم على قدر إحاطة العلم يكون شمول القدرة ، وفي هذا دليل على أن التاني في العلم بالتدبر وبإلقاء السمع أنفع من الاستعجال المتعب للبال المكدر للحال ، وأعون على الحفظ ، فمن وعى شيئاً حق الوعي حفظه غاية الحفظ ؛ وروى الترميذي وابن ماجة والبزار عن أبي هريرة رضي الله عنه قال كان رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) يقول : ( للهم انفعني بما علمتني وعلمني ما ينفعني وزدني علماً والحمد لله على كل حال ، وأعوذ بالله من حال أهل النار ) أفاده ابن كثير في تفسيره .
ولما قرر سبحانه بقصة موسى عليه السلام ما لشلر إليه أول السورة بما هو عليه من الحلم والتاني على عباده ، والإمهال لهم فيما هم عليه من النقص بالنسيان للعهود والنقض للمواثيق ، وأتبعها ذكر مدح هذا الذكر الذي تأدت إلينا به ، وذم من أعرض عنه ، وختمه بما عهد إليه ( صلى الله عليه وسلم ) في أمره ونهياً وأمراً ، أتبع ذلك سبحانه قصة آدم عليه السلام تحذيراً من الركون إلى ما يسبب النسيان ، وحثاً على رجوع من نسي إلى طاعة .
الرحمن ، وبياناً لأن ذلك الذي قرره من حلمه وإمهاله عادته سبحانه من القدم ، وصفته التي كانت ونحن في حيز العدم ، وأنه جبل الإنسان على النقص ، فلو أخذهم بذنوبهم ما ترك عليها من دابة ، فقال عاطفاً على قوله
77 ( ) وكذلك أنزلناه حكماً عربياً ( ) 7
[ الرعد : 37 ] أو ) كذلك نقص عليك من أنباء ما قد سبق ( مؤكداً لما تقدم فيه وعهد به من أمر القرآن ، ومحذراً من الإخلال بذلك ولو على وجه النسيان ، ومنجزاً لما وعد به من قص أنباء المتقدمين مما يوافق هذا السياق : ( ولقد عهدنا ( بما لنا من العظمة ) إلى ءادم ( أبي البشر الذي أطلعناه على كثير منها في النهي عن الأكل من الشجرة ) من قبل ) أي في زمن من الأزمان الماضية قبل هؤلاء الذين تقدم في هذه السورة ذكر نسيانهم وإعراضهم ) فنسي ( عهدنا وأكل منها مع علمه من تلك العظمة بما لا ينبغي أن ينسى معه ذلك العهد المؤكد بذلك الجلال ، فعددنا عليه وقوعه في ذلك المنهيّ ناسياً ذنباً لعلو رتبته عندنا ، فهو من باب ( حسنات الأبرار سيئات المقربين ) فكيف بما فوق ذلك