كتاب نظم الدرر فى تناسب الآيات والسور - العلمية (اسم الجزء: 5)
صفحة رقم 51
) ولم نجد ( بالنظر غلى ما لنا من العظمة ) له عزماً ) أي قصداً صلباً ماضياً وإرادة نافذة لا تردد فيها كإرادات الملائكة عليهم السلام ، والمعنىى أنه لم يتعلق علمنا بذلك موجوداً ، ومع ذلك عفونا عنه ولم نزحوحه عن رتبة الاصطفاء .
طه : ( 116 - 122 ) وإذ قلنا للملائكة. .. . .
) وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلاَئِكَةِ اسْجُدُواْ لآدَمَ فَسَجَدُواْ إِلاَّ إِبْلِيسَ أَبَى فَقُلْنَا يآدَمُ إِنَّ هَذَا عَدُوٌّ لَّكَ وَلِزَوْجِكَ فَلاَ يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَى إِنَّ لَكَ أَلاَّ تَجُوعَ فِيهَا وَلاَ تَعْرَى وَأَنَّكَ لاَ تَظْمَأُ فِيهَا وَلاَ تَضْحَى فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ قَالَ يآدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لاَّ يَبْلَى فَأَكَلاَ مِنْهَا فَبَدَتْ لَهُمَا سَوْءَاتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِن وَرَقِ الْجَنَّةِ وَعَصَى ءَادَمُ رَبَّهُ فَغَوَى ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَى ( ( )
ولما كان المقصود من السورة - كما سلف - الإعلام بالحلم والأناة والتلطف بالنائي والقدرة على المعرض ، ذكر فعله آدم عليه السلام هذه في هذه السورة بلفظ المعصية مع التصريح بأنها وجه النسيان ، وذكر ذلك أولاً مجملاً ثم أتبعه تفصيله ليكون ذلك مذكوراً مرتين ، تأكيداً للمعنى المشار إليه ، تقيراً وتحذيراً من الوقوع في منهيّ ، وإرشاد لمن ( غلب عليه ) طبع النقص إلى المباردة إلى الندم وتعاطي أسباب التوبة ليتوب الله عليه ما فعل بآدم عليه السلام فقال : ( وإذ ) أي اذكر هذا واذكر حين ) قلنا ( بما لنا من لعظمة ، أي اذكر قولنا في ذلك الوقت ) للملائكة ) أي المجبولين على مضي العزم والتصميم على القصد من غير مانع تردد ولا عائع فتور ) اسجدوا لآدم ( الذي خلقته بيدي ، فلم نأمرهم بذلك إلا بعد أن اصطفيناه ونحن عالمون بما سيقع منه ، وأنه لا يقدح في رتبة اصطفائه ، فإن الحلم والكرم من صفاتنا ، والرحمة من شأننا ، فلا تيأس من عودنا بالفضل والرحمة على من بالغ في مقاطعتنا من قومك الذين وصفناهم باللد ) فسجدوا ) أي الملائكة ) إلا إبليس ( الذي نسب الله إلى الجور والإخلال بالحكمة فكفر فايس من الرحمة وسلب الخير فأصر على إضلال الخلق بالتلبيس ، فكأنه قيل : ما كان من حاله في عدم سجوده ؟ فقيل : ( ابى ) أي تكبر على آدم فعصى أمر الله ) فقلنا ( بسبب ذلك بعد أن حملنا عنه ولم نعاجله بالعقوبة : ( ياآدم إن هذا ( الشيطان الذي تكبر عليك ) عدو لك ( دائماً لأن لبكبر الناشىء عن الحسد لا يزول ) ولزوجك ( لأنها منك ) فلا يخرجانكما ) أي لا تصغيا إليه بوجه فيخرجكما ، ووجه النهي إليه والمراد : هما ، تنبيهاً على أن لها من الجلالة ما ينبغي أن تصان عن أن يتوجه إليها نهي ، وأسند الإخراج إليه لزيادة التحذير والإبالغ في التنفير ، وزاد في التنبيه بقوله : ( من الجنة ) أي فإنه لا يقصر في ضركما وإرادة إنزالكما عنها .