كتاب نظم الدرر فى تناسب الآيات والسور - العلمية (اسم الجزء: 5)

صفحة رقم 52
ولما نص سبحانه على شركتها له في الإخراج فكان من المعلوم شركتها له في آثاره ، وكانت المرأة تابعة للرجل ، فكان هو المخصوص في هذه الدار بالكل في الكد والسعي ، والذب والرعي ، وكان أغلب تعبه في أمر المرأة ، أفرد لاتحذير منه فقال : لذلك وعدّا لتعبها بالنسبة إلى تعبه عدماً ، وتعريفاً بأن أمرها بيده ، وهو إن تصلب قادها إلى الخير ، وغلا قادته إلى الضير ، وعبر عن التعب بالشقاء زيادة في التحذير منه فقال : ( فتشقى ) أي فتتعب ، ولم يرد شقاوة الآخر ، لأنه لو أرادها ما دخل الجنة بعد ذلك ، لأن الكلام المقدر بعد الفاء خبر ، والخبر لا يخلف .
ثم علل شقاوته على تقدير الإخراج بوصفها بما لا يوجد في غيرها من الأقطاب التي يدور علها كفاف الإنسان ، وهي الشبع والريّ والكسوة والكن .
ذاكراً لها بافظ النفي لنقائضها ليطرق سمعه بأسماء أصناف الشقوة التي حذره منها ليصير بحيث يتحامى السبب الموقع فيها كراهة لها ، فإذا مضت عليه القدرة الباهرة علم أنه لا يغني حذر من قدر ، فقال : ( إنك لك ) أي علينا ) ألا تجوع فيها ) أي يوماً ما ) ولا تعرى ( فلا يتجرد باطنك ولا ظاهرك ) وإنك لا تظمؤا ( بالتهاب القلب ) فيها ولا تضحى ) أي لا يكون بحيث يصيبك حر الشمي ، والمعنى أنه لا يصيبك حر في الباطن ولا في الظاهر ) فوسوس ) أي فتعقب تحذيرنا هذا من غير بعد في الزمان أن وسوس ) إليه الشيطان ( المحترق المطرود ، وهو إبليس ، أي ألقى إليه وجه الخفاء بما مكناه من الجري في هذا النوع مجرى الدم ، وقذف المعاني في قلبه ، وكأنه عبر ب ( إلى ) ، لأن المقام لبيان سرعة قبول هذا النوع للنقائض وإن أتته من بعد ، أو لأنه ما أنهى إليه ذلك إلا بواسطة زوجه ، لذلك عدى الفعل عند ذكرهما بالام ، وكأنه قيل : ما دس إليه ؟ فقيل : ( قال يا آدم ( ثم ساق له الغش مساق العرض ، إبعاداً لنفسه من التهمة والغرض ؛ وشوقه غليه أولاً بقوله : ( هل أدلك ( فإن النفس شديدة الطلب لعلم ما تجهله ؛ وثانياً بقوله : ( على شجرة الخلد ) أي التي من أكل منها خلد ، فإن الإنسان أحب شيء في طول البقاء ؛ وثالثاً بقوله : ( وملك لا بيلى ) أي لا يخلق أصلاً ، فكأنه قال له بلسان الحال أو القال : نعم ، فقال : شجرة الخلد هذه - مشيراً غلى التي نهي عنها - ما بينك وبين الملك الدائم غلا أن تأكل منها .
) فأكلا ) أي فتسبب عن قوله وتعقب أم أكل ) منها ( هو وزوجه ، متعين لقوله ناسيين ما عهد إليهما ) فبدت لهما ( لما خرقا من ستر النهي وحرمته ) سوءاتهما ( وقوعاً لما حذرا منه من إخراجهما مما كانا فيه ) وطفقا ) أي شرعا ) يخصفن ) أي يخيطان أو

الصفحة 52