كتاب نظم الدرر فى تناسب الآيات والسور - العلمية (اسم الجزء: 5)

صفحة رقم 53
يلصقان ) عليهما من ورق الجنة ( ليسترا عوراتهما ) وعصى ءادم ( وإن كان إنما فعل المنهي نسياناً ، لأن عظم مقامه وعلو رتبته يقتضيان له مزيد الاعتناء ودوام المراقبة مع ربط الجأش ويقظة الفكر ) ربه ) أي المحسن إليه بما لم ينله أحداً من بنيه من تصويره له بيده وإسجاد ملائكته له ومعاداة من عاداه ) فغوى ( من الغواية وهي الضلال ، ولذلك قالوا : المعنى : فضلّ عن طريق السداد ، فأخطأ طريق التوصل إلى الخلد بمخالفة أمره ، وهو صفيه ، لم ينزله عن رتبة الاصطفاء ، لأن رحمته واسعة ، وحلمه عظيم ، وعفوه شامل ، فلا يهمنك أمر القوم اللد ، فإنا قادرون على أن نتقبل بقلوب من شءنا منهم فنجعلهم من أصفى الأصفياء ، ونخرج من أصلاب من شئنا منهم من نجعل قلبه معدن الحكمة والعلم .
ولما كان الرضى عنه - مع هذا الفعل الذي أسرع فيه اتباع العدو وعصيان الولي بشيء لا حاجة به إليه - مستبعداً جداً ، أثبت ذلك تعالى مشيراً إليه بأداة التراخي فقال : ( ثم احتباه ربه ( اي المحسن إليه ) فتاب عليه ) أي بسبب الاجتباء بالرجع إلى ما كان عليه من طريق السداد ) وهدى ( بالحفظ في ذلك كما هو الشأن في أهل الولاية والقرب .
طه : ( 123 - 127 ) قال اهبطا منها. .. . .
) قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعاً بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلاَ يَضِلُّ وَلاَ يَشْقَى وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ أَعْمَى قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنتُ بَصِيراً قَالَ كَذلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى وَكَذلِكَ نَجْزِي مَنْ أَسْرَفَ وَلَمْ يُؤْمِن بِآيَاتِ رَبِّهِ وَلَعَذَابُ الآخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبْقَى ( ( )
ولما كانت دور الملوك لا تحتمل مثل ذلك ، وكان قد قدن سبحانه عنايته بآدم عليه السلام اهتماماً به ، وكان الخبر عن زوجه وعن إبليس لم يذكر ، فكانت نفس السامع لم تسكن عن تشوفها إلى سماع بقية الخبر ، أجاب عن ذلك بأنه أهبط من دراه المقدسة الحامل على المخالفة والمحمول وإن كان قد هيأه بالاجتباء لها ، فقال على طريق الاستئناف : ( قال ) أي الرب الذي انتهكت حرمة داره : ( اهبطا منها ( أيها الفريقان : آدم وتبعه ، وإبليس ) جميعاً ( .
ولما كان السياق لوقوع النسيان وانحلال العزم بعد أكيد العهد ، حرك العزم بعث

الصفحة 53