كتاب نظم الدرر فى تناسب الآيات والسور - العلمية (اسم الجزء: 5)
صفحة رقم 54
الهم بإيقاع العداوة التي تنشأ عنها المغالبة ، فتبعث الهمم وتثير العزائم ، فقال في جواب من كأنه قال : على أيّ حال يكون الهبوط : ( بعضكم لبعض عدو ( وهو صادق بعداوة كل من الفريقين للفريق الآخر : فريق إبليس - الذين هم الجن - بالإضلال ، وفريق الإنس بالاحتراز منهم بالتعاويذ والرقى وغير ذلك ، وبعداوة بعض كل فريق لبعضه ) فإما ) أي فتسبب عن ذلك العلم بأنه لا قدرة لأحد منكم على التحرز من عدوه إلا بي ولا حرز لكم من قبلي إلا اتباع أمري ، فإما ) يأتينكم ) أي أيها الجماعة الذين هم أضلّ ذوي الشهوات من المكلفين ) مني هدى ( تحترزون به عن اتهوا العدو واستزلاله ) فمن اتبع ( عبر صيغة ( افتعل ) التي فيها تكلف وتتميم للتبع الناشىء عن شدة الاهتمام ) هداي ( الذي أسعفته به من أوامر الكتاي والرسول المؤيد بدلالة العقل ، وللتعبير بصيغة ( افتعل ) قال ( ) فلا يضل ) أي بسبب ذلك ، عن طريق السداد في الدنيا ولا في الآخرة أصلاً ) ولا يشقى ) أي في شيء من سعيه في واحدة منهما ، فإن الشقاء عقاب الضلال ، ويلزم من نفيه نفي الخوف والحزن بخلاف العكس ، فهو أبلغ مما في البقرة ، فإن المدعو غليه في تلك مطلق العبادة ، والمقام في هذه للخشية والبعث على الجد بالعداوة ) إلا تذكرة لمن يخشى ( وللإقبال على الذكر ) من أعرض عنه فإنه يحمل يوم القيامة وزرا ( والتحفظ من المخالفة ولو بالنسيان ) فنسي ولم نجد له عزماً ( .
قال الرازي في اللوامع : والشقاء : فراق العبد من الله ، والسعادة وصوله غليه ؛ وقال الأصبهاني عن ابن عباس رضي الله عنهما : ضمن الله عز وجل لمن اتبع القرآن أن لا يضل في الدنيا ولا يشقى في الآخرة ) ومن أعرض ( اي فعل دون فعل الرضيع بتعمد الترك لما ينفعه بالمجاورة ) عن ذكري ( الذي هو الهدى ) فإن له ( ضد ذلك ) معيشة ( حقرها سبحانه بالتأنيث ثم وصفها بأفظع وصف وهو مصدر يستوي فيه المذكر والمؤنث والجمع وغيره فقال : ( ضنكاً ) أي ذات ضنك اي ضيق ، لكونه على ضلال وإن رأى أن حاله على غير ذل في السعة والراحة ، فإن ضلاله لا بد أن يرديه ، فهو ضنك لكونه سبباً للضيق وآئلاً إليه ، من تسمية السبب باسم المسبب ، مع أن المعرض عن الله لا يشبع ولا يضل إلى أن يقنع ، مستولٍ عليه الحرض الذي لا يزال أن يطيح ببال من من يريد الزدياد من الدنيا ، مسلط عليه الشح الذي يقبض يده عن الانفاق ، عن مناوأة الخصوم ، وتعاقب الهموم ، مع أنه لا يرجو ثواباً ، ولا يأمن عقاباً ، فهو لذلك في أضيق الضيق ، لا يزال همه أكبر من وجده ( لو كان لابن آدم واد من ذهب لابتغى إليه ثانياً ، ولو أن له واديين لا بتغى لهما ثالثاً ، ولا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب ، ويتوب الله على من