كتاب نظم الدرر فى تناسب الآيات والسور - العلمية (اسم الجزء: 5)
صفحة رقم 55
تاب ) متفق عليه عن أنس رضي الله عنه ، وهكذا حال من أتبع نفسه هواها ، وأما المقبل على الذكر بكليته فهو قانع راض بما هو فيه ، مستكثر ن ذكر الله الشارح للصدور الجالي للقلوب فهو أوسع سعة ، فلا تغتر بالصور وانظر غلى المعاني .
ولما ذكر حاله في الدنيا ، أتبعه قوله : ( ونحشره يوم القيامة أعمى ( وكان ذلك في بعض أوقات ذلك اليوم ، قال ابن عباس رضي الله عنهما : إذا خرج من القبر خرج بصيراً ، فإذا سيق إلى المحشر عمي ، أويكون ذلك - وهو أقرب مفهوم العبارة - في بعض أهل الضلال ليجتمع مع قوله
77 ( ) أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ يَوْمَ يَأْتُونَنَا ( ) 7
[ مريم : 38 ] وحديث عبدالله بن عمر رضي الله عنهما في الصحيح من هذا أن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) قال : ( الظلم ظلمات يوم القيامة .
) ثم اتأنف قوله : ( قال ( مذكراً بالنعمة السابقة استعطافاً لأن من شأن مسلف نعمة أن يربيها وإن قصر المنعم عليه ، وغاية ذلك إنما يمون مهما بقي للصلح موضع : ( رب ) أي أيها المحسن إليّ المسبغ نعمه عليّ ) لم حشرتني ( في هذا اليوم ) أعمى وقد كنت ) أي في الدنيا ، أو في أول هذا اليوم ) بصيراً ( فكأنه قيل : بم أجيب ؟ فقيل : ( قال ( له ربه : ( كذلك ) أي مثل هذا الفعل الشنيع فعلت في الدنيا ، والمعنى : مثل ما قلت كان ؛ ثم فسر على الأول ، وعلل على الثاني ، فقال : ( أتتك ءاياتنا ( على عظمتها التي هي من عظمتنا ) فنسيتها ) أي فعاملتها بإعراضك عنها معامله المنسي الذي لا يبصره صاحبه ، فقد جعلت نفسك أعمى البصر والبصيرة عنها ، كما قال تعالى :
77 ( ) الَّذِينَ كَانَتْ أَعْيُنُهُمْ فِي غِطَآءٍ عَن ذِكْرِي ( ) 7
[ الكهف : 101 ] أي ومثل ذلك النسيان الفظيع ، وقدم الظرف ليسد سوقه للمظروف ويعظم اختباره لفهمه فقال : ( اليوم تنسى ) أي تترك على ما أنت عليه بالعمى والشقاء بالنار ، فتكون كالشيء الذي لا يبصره أحد ولا يلتفت إليه ) وكذلك ) أي ومثل ذلك الجزاء الشديد ) نجزي من أسرف ( في متابعة هواه فتكبر عن متابعة أوامرنا ) ولم يؤمن بآيات ربه ( فكفر إحسانه إما بالتكذيب وإما بفعله فعل المكذب .
ولما ذكر أن هذا الضال كان في الدنيا معذباً بالضنك ، وذكر بعض ما له ف الآخرة ، قال مقسماً لما له من التكذيب : ( ولعذاب اللآخرة ( بأيّ نوع كان ) اشد ( من عذاب الدنيا ) وابقى ( منه ، فإن الدنيا دار زوال ، وموضع قلعة وارتحال .