كتاب نظم الدرر فى تناسب الآيات والسور - العلمية (اسم الجزء: 5)
صفحة رقم 57
أول ذنب يقع منه لشرفك عنده وقربك لديه ) و ( لولا ) أجل مسمى ( ضربه لكل شيء لكان الأمر كذلك أيضاً ، لكنه سبقت رحمته غضبه فهو لا يجعل ، وضرب الأجل فهو لا يأخذ قبله ، وكل من سبق الكلمة وتسمية الأجل مستقل بالإمهال فكيف إذا اجتمعا ، فتسبب عن العلم بأنه لا بد من استيفاء الأجل وإن زاد العاصي في العصيان تسليم الأمور إلى الله وعدم القلق في انتظار الفرج فقال : ( فاصبر على ما يقولون ( لك من الاستهزاء وغيره .
ولما كان الصبر شديداً على النفس منافراً للطبع ، لأن النفس مجبولة على النقائص ، مشحونة بالوسواس ، أمر منه لأجل من يحتاج إلى الكمال بما ينهض بها من حضيض الجسم إلى أوج الروح بمقامي التحلي بالكمالات والتخلي عن الرعونات ، وبدأ بالأول لأنه العون على الثاني ، وذكر أشرف الحلي فقال : ( وسبح بحمد ربك ( اي اشتغل بماينجيك من عذابه ، ويقربك من جنابه ، بأن تنزه من أحسن إليك عن كل نفص ، حال كونك حامداً له بإثبات كل كمال ، وذلك بأن تصلي له خاصة وتذكره بالذاكرين ، غير ملتفت إلى شيء سواه ) قبل طلوع الشمس ( صلاة الصبح ) وقبل غروبها ( صلاة العصر والظهر ؛ وغير السياق في قوله : ( ومن آناء اليّل ( اي ساعاته ، جمع إنو - بكسر ثم سكون ، أي ساعة ، لأن العبادة حينئذ أفضل لاجتماع القلب وهدوء الرجل والخلو بالرب ، لأن العبادة إذ ذاك أشق وأدخل في التكليف فكانت افضل عند الله ) فسبح ) أي بصلاة المغرب والعشاء ، إيذاناً بعظمة صلاة الليل ، وكرر الأمر بصلاتي الصبح والعصر إعلاماً بمزيد فضلهما ، لأن ساعتيها أثناء الطي والبعث فقال : ( وأطاف النهار ( ويؤيد ما فهمته من أن ذلك تكرير لهما ما في الصحيحين عن جرير ابن عبد الله البجلي رضي الله عنه قال : كنا جلوساً عند رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فنظر إلى القمر ليلة البدر فقال : ( إنكم سترون ربكم كما ترون هذا القمر لا تضامون في رؤيته ، فإن استطعتم أن لا تغلبوا على صلاة قبل طلوع الشمس وقبل غروبها فافعلوا ) ، ثم قرأ هذه الاية .
وإلا لم يكن في الآية مزيد حث عليهما خاصة ، على أن الفظ ( آناء وأطراف ) صالح لصلاة التطوع من الرواتب وغيرها ليلاً ونهاراً ، وأفاد بذكر الجارّ في الآناء التبغيض ، لأن الليل محل الراحة ، ونزعه من الأطراف لتيسير استغراقها بالذكر ، لأن النهار موضع النشاط واليقظة ، ويجوز - وهو أحسن - أن يكون المراد بما قبل الطلوع الصبح ، وما قبل الغروب العصر فقط ، وببعض الآناء المغرب والعشاء ، وأدخل الجار لكونهما وقتين ، وبجميع الأطراف الصبح والظهر والعصر ، لأن النهار له لربعة أطراف : أوله ، وآخره وآخر نصفه الأول ، وأول نصفه الثاني ، والكل مستغرق بالتسبيح ، ولذلك