كتاب نظم الدرر فى تناسب الآيات والسور - العلمية (اسم الجزء: 5)
صفحة رقم 58
نزع الجار ، أما الأول والآخر فبالصبح والعصر ، وأما الآخران فبالتهيؤ للصلاة ثم الصلاة نفسها ، وحينئذ تكون الدلالة على فضيلة الصبح والعصر من وجهين : التقديم والتكرير ، وإلى ذلك الإشارة بالحديث ، وإذا أريد إدخال النوافل حمات الأطراف على الساعات - والله الهادي .
ولما كان الغالب على الإنسان النسيان فكان الرجا عنده أغلب ، ذكر الجزاء بكلمة الإطماع لئلا يأمن فقال : ( لعلك ترضى ) أي افعل هذا لتكون على رجاء من أن يرضاك ربك فيرضيك في الدنيا والآخرة ، بإظهار دينك وأعلاء أمرك ، ولا يجعلك في عيش ضنك في الدنيا والآخرة ، ولا تكون كذلك إلا وقد أعطاك ربك جميع ما تؤمل .
ولما كانت النفس ميالة إلى الدنايا ، مرهونة بالحاضر من فاني العطايا ، وكان تخيلها عن ذلك هؤ الموصل إلى حريتها المؤذن بعلو همتها ، قال مؤكداً إيذاناً بصعوبة ذلك : ( ولا تمدن ( مؤكداً له بالنون الثقيلة ) عينيك ) أي لا تطوّل نظرهما بعد النظرة الأولى المعفو عنها قاصداً للاستحسان ) إلى ما متعنا به ( بما لنا من العظمة التي لا ينقصها تعظم أعدائنا به في هذه الحياة الفانية ) أزواجاً ) أي أصنافاً متشاكلين ) منهم ( اي من الكفرة ) زهرة ) أي تمتيع ) الحياة الدنيا ( لا ينتفعون به في الآخرة لعدم صرفهم له في أوامر الله ، فهو مصدر من المعنى مثل جلست قعوداً ، ثم علل تمتيعهم بقوله تعالى : ( لنفتنهم فيه ) أي لنفعل بهم فعل المختبر ، فيمون سبب عذابهم في الدنيا بالعيش الضنك لما مضى ، وفي الآخرة بالعذاب الأليم ، فصورته تغر من لم يتأمل معناها حق التأمل ، فما أنت فيه خير مما هم فيه ) ورزق ربك ( الذي عود به أولياءه - وهو في دار السفر - الكفاف الطيب المقرون بالتوفيق ) خير ( من زهرتهم ، لأنه يكفي ولا يطغي وزادك ما يدني إلى جنابه فيعلي ) وأبقى ( فإنه وفقك لصرفه في الطاعة فكتب لك من أجره ما توفاه يوم الحاجة على وجه لا يمكن أحداً من الخلق حصره ، ةتكون الدنيا كلها فضلاً عما في ايديهم أقل من قطرة بالنسبة إلى بحره ، وإضافة رزقه دون رزقهم إليه سبحانه - وإن كان الكل منه - للتشريف ، وفي النعبير بالرب إيذان بالحل ، وفيه إشارة إلى ظهوره عليهم وحياته بعدهم كما هو الشأن في الصالحين الطالحين .
ولما أمر بتزكية النفس أتبعه الإعلام بأن منها تزكية الغير ، لأن ذلك أدل على الإخلاص ، وأجدر بالخلاص ، كما دل عليه مثل السفينة الذي ضربه رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) لمن