كتاب نظم الدرر فى تناسب الآيات والسور - العلمية (اسم الجزء: 5)

صفحة رقم 602
الحال يقتضي إنكار أن يغفل أحد عنها ، لما لها من واضح الدلائل أقربه أن اسنم ضدها يدل عليها ، لأنه لا تكون إلا في مقابلة قصياً ، ولا أولى إلا بالنسبة غلى أخرى ، فقال : ( وهم ( اي هؤلاء الموصوفون خاصة ) عن الآخرة ( التي هي المقصود بالذات وما خلقت الدنيا إلا للتوصل بها إليها ليظهر الحكم بالقسط وجميع صصفات العز والكبر والجلال والإكرام ) هم غافلون ) أي في غاية الاستغراق والإضراب عنها بحيث لا يخطر في خواطرهم ، فصاروا لاستيلاء الغفلة عليهم إذا ذكرت لهم كذبوا بها ، واستهزؤوا بالمخبر ، ولم يجوزوها نوع تجير مع أن دلائلها تفوت الحصر ، وتزيد على العد ، فصاروا كأنهم مخصوصون بالغفلة عنها من بين سائر الناس ومخصصون لها بالغفلة من بين سائر الممكنات ، فلذلك لا يصدقون الوعد بإدالة الروم لما رسخ في نفوسهم من أن الأمور تجري ين العباد غعلى غير قانون الحكمة ، لأنهم كثيراً ما يرون الظالم يموت ولم يقتص منه ، وهم في غفلة عن أنه أخر جزاؤه غلى يوم الدين ، يوم يكشف الجبار حجاب الغفلة ويظهر عدله وفضله ، ومن أريد القصاص منه عاجلا فعل ، وقضية الروم هذه منذلك ، وهذا السياق يدل على أنه لا حجاب عن العلم أعظم من التكذيب بالآخرة ، ولا شيء اعون عليه من التصصديق بها والاهتمام بشانها ، لأن ذلك حامل علىطلب الخلاص في ذلك اليوم ، وهو لا يكيون على أتم الوجوه غلا لمن وصل غلى حالة المراقبة ، وذلك لا يكون إلا لمن علم إما بالكشف أو الكسب كل علم فلم يتحرك حركة غلا بدليل يبيحها له ويحمله عليها ، وبهذا التقرير يظهر أن هاتين الجملتين بكمالهما في حال غفلتهم عن الآخرة ، فانسد عليهم باب العلم - والله الموفق .
ولما كان التقدير : أفلم يتدبروا القرآن وما كشف لهم عنه من الحكم والأمور التي وعد الله بها على لسان نبيه محمد ( صلى الله عليه وسلم ) فيه أو في السنة ، فكانت على حسب ما وعد ، أو لم يتأملوا مصنوعات الله عموماً فتدلهم عقولهم منها على أنه لا يصلح للإلهية إلا من كان حكيماً ، ولا يكون حكيماً غلا من صدق في وعده ، و أنه لا تتم الحكمة إلا بإيجاد الآخرة ، عطف عليه قوله منكراً عليهم موبخاً لهم : ( أو لم يتفكروا ( اي يجتهدوا في إعمال الفكر ، ثم ذكر آلة الفكر زيادة في تصوير حال المتفكرين والتذكير بهيئة المعتبرين فقال : ( في أنفسهم ( ويجوز أن تكون هي المتفكر فيه فيكون المعنى : يتفكروا في أحوالها خصوصاً فيعلموا أن من كان منهم قادراً كاملاً لا يخلف وعده وهو إنسان ناقص ، فكيف بالإله الحق ويعلموا أن الذي ساوى بينهم في الإيجاد من العدم

الصفحة 602