كتاب نظم الدرر فى تناسب الآيات والسور - العلمية (اسم الجزء: 5)

صفحة رقم 603
وطورهم في أطوار الصور ، وفاوت بينهم في القوى والقدر ، وبين آجالهم في الطول والقصر ، وسلط بعضهم على بعض بأنواع الضرر ، وأمات أكثرهم مظلوماً قبل القصاص والظفر ، لا بد في حكمته البالغة من جمعهم للعدل بينهم في جزاء من وفى أو غدر ، أوأو شكر أو كفر ، ثم ذكر نتيجة ذلك وعلله بقوله في أسولب التأكيد لأجل إنكارهم ، وعلى التقدير الأول يكون هذا هو المتفكر فيه ) ما خلق الله ) أي بعز جلاله ، وعلوه في كماله ) السماوات والأرض ( علىما هما عليه من النظام المحكمن والقانون المتقن ، وافرد الأرض لعدم دليل حسي أو عقلي يدلهم على تعددها بخلاف السماء ) وما بينهما ( من المعاني التي بها كمال منافعهما ) إلا ( خلقاً متلبساً ) بالحق ) أي الأمر الثابت الذي يطابقه الواقع ، فإذا ذكر البعث الذي هو مبدأه الآخرة التي هذا أسلوبها وجد الواقع في تصوير النطف ونفخ الروح وتمييز الصالح منها للتصوير من الفاسد يطابق ذلك ، وإذا تدبر النبات بعد أن كان هشيماً قد نزل عليه الماء فزها واهتز وربا وجده مطكابقاً للأمر البعث ، وإذا ذكر القدرة فراى إختلاف الليل والنهار ، وسير الكواكب الصغارو الكبار ، وإمطار الأمطار ، وإجراء الأنهار ، ونحو ذلك من لأسرار ، رآه مطابقاً لكل ما يخطر في باله من الأقدار ، وإذا خطر له العلم ، فتبصر في جري هذه الأمور وغيرها على منهاج مستقيم ، ونظام واضح قويم ، وسير متقن حكيم ، علم أن ذلك في غاية المطابقة للخبر بالعلم الشامل والقدرة التامة على البعث وغيره ، أو إلا بالأمر الثابت والقضاء النافذ الذي لا يتخلف عنه المراد ، ولا يستعصي عليه حيوان ولا جماد ، وخلقكم من هذا الخلق الكبير الذي قام بأمره من بعض ترابه .
ثم جعلكم من سلالة من ماء مهين ، فالقدرة التي خلق بها ذلك كله وابتدأكم ثم يبيدكم ، بها بعبينها يحييكم ويعيدكم ، ثم إذا دعاكم دعوة من الأرض إذا أنتم تخرجون ، أو إلا بسبب إحقاق الحق وإبطال الباطل ، فلا بد من تصديق وعده بإدالة الروم لأخذ حقهم من الفرس ، ولا بد من أن يقيمكم بعد أن ينيمكم ويثبت كل حق رأيتموه قد ابطل ، ويبطل كل باطل رأيتموه قد أعمل ، لأنه أحكم الحاكمين ، فلو أقر على إماتة حق أو إحياء باطل لما كان كذلك .
ولما كان عندهم أن هذا الوجود حياة وموت لا إلى نفاد ، قال : ( وأجل ( لا بد أن ينتهي غليه ) مسمى ) أي في العلم من الأزل ، وذلك الأجل هو وقت قيام الساعة ، وذلك أنه كما جعل لهم آجالاً لأصلهم وفرعهم لم يشذ عنها أحد منهم فكذلك لا بد من أجل مسمى لما خلقوا منه ، فذا جاء ذلك الأجل انحل هذا النظام ، واختل هذا الإحكام ، وزالت هذه الأحكام ، فتساقطت هذه الأجرام ، وصارت إلى ما كانت عليه من الإعدام ، وإلا كان الخلق عبثاً يتعالى عنه الملك العلام .

الصفحة 603