كتاب نظم الدرر فى تناسب الآيات والسور - العلمية (اسم الجزء: 5)

صفحة رقم 608
تهويله بقوله : ( يومئذ يتفرقون ) أي المؤمنون الذين يفرحون بنصر الله والكافرون فرقة لا اجتماع بعدها ، هؤلاء في عليين ، وهؤلاء في أسفل سافلين .
حكى لي بعض القضاة نم أصحابي - عفا الله عنه - وهو يبكي انهرأى مناماً مهولاً ، وذلك أنه رأى القيامة قد قامت ، والناس يحشرون - على ما وصف في الأحاديث - في صعيد واحد عرايا خائفين حائرين ، يموج بعضهم في بعض ، فإذا شخص مما له أمر قد اشار بسوط معه وخط به في الأرض فقسمهم قسمين فقال : هؤلاء مطيعون وهؤلاء عصاة الأفعال ، قال : فكنت في عصاة الأفعال ، ثم غاب في الحال عنا عصاة الأقوال ، فلم نر منهمأحداً وبقينا نحن منا الجالس ومنا المضطجع ، ونحن قليل بالنسبة غلى عصاة الأقوال ، فبينا نحن كذلك إذ جاء آتٍ إلى شخص إلى جانبي فأخذه منكعبه ثم نشطه فأخرج جلده بمرة واحدة كأنه جراب نزع عن شيء فيه يابس ، فحصل لي من ذلك ذعر شديد فبينا أنا كذلك إذ آتٍ جاءني من ورائي ، فألقى عليّ جوخة فجعلها على أكتافي وأدارها على أفخاذي فسترني بها ولكن على غير هيئة لبس المخيط ، قال : واستيقظت وأنا على ذلك فقصصته على بعض الصالحين فقالك أحمد الله على كونك من عصاة الأفعال ، وأخذ من ستري بالجوخة علىتلك الهيئة أني أحج ، فبشرني بذلك فحججت في ذلك العام - والله تعالى المسؤول في التوبة ، فإنه الفعّال لما يريد ) فأما الذين آمنوا ( اي أقروا بالإيمان بألسنتهم ) وعملوا ( تصديقاً لإقرارهم ) الصالحات ) أي كلها .
ولما تقدم هنا ذكر عمارة الأرض وإصلاحها للنبات ووعظ من جعلها أكبر همه بأنها لم تدم له ولا أغنت عنه شيئاً ، ذكر أنه جزى من أعرض عنها بقلبه لاتباع أمره سبحانه أعهظم ما يرى من زهرتها ونضرتها وبهجتها على سبيل الدوام فقال : ( فهم ) أي خاصة ) في روضة ) أي لا أقل منها وهي أرض عظيمة جداً منبسطة واسعة ذات ماء غذق ونبات معجب بهج - هذا أصلها في اللغة وقال الطبري : ولا تجد أحسن منظراً ولا أطيب نشراً من الرياض .
) يحبرون ( اي يسيرون على سبيل التجدد كل وقت سروراً تشرق له الوجوه ، وتبسم الأفواه ، وتزهو العيون ، فيظهر حسنها وبهجتها ، فتظهر النعمة بظهور آتارها على أسهل الوجوه وأيسرها .
قال الرازي في اللوامع : وأصله - أي الحبرة - في اللغة أثر في حسن ، وقال غيره : حبره - إذا سره سروراً تهلل له وجهه ، وظهر فيه أثره .
) وأما الذين كفروا ) أي غطوا ما كشفته أنوار العقول ، ) وكذبوا ( عناداً ) بآياتنا ( التي لا تصدق منها ولا أضوأ من أنوارها ، بما لها من عظمتنا ) ولقآءى الآخرة ( الذي

الصفحة 608