كتاب نظم الدرر فى تناسب الآيات والسور - العلمية (اسم الجزء: 5)

صفحة رقم 609
لم يدع لبساً في بيانه ) فأولئك ) أي البعداء البغضاء ) في العذاب ( اي الكامل لا غيره ) محضرون ( من أي محضر كان ، بالسوق الحثيث ، والزجر العنيف ، فإذا وصلوا غلى مقره وكل بهم منيديم كونهم كذلك - لإفادة الجملة الاسمية الدوام ، فلا يغيبون عنه ولا يخفف عنهم .
ولما بين سبحانه المبدأ بخلق السماوات والأرض ، والمعاد بالجنة والنار ، وأنهم كذبوا به ، وكان تكذيبهم به مستلزماً لاعتقاد نقائص كثيرة منها العجز وإخلاف الوعد وترك الحكمة ، كان ذلك سبباً لأن ينزه سبحانه نفسه المقدسة ويأمر بتنزيهها ، لأن ذلك يدفع عن المنزه مضار الوعيد ، ويرفعه إلىمسار الوعد ، فقال ذاكراً من أفعاله العالية التي لا مطمع لغيره في القدرة على شيء منها ما يدل على خلاف ذلك الذي يلزم اعتقادهم ، لافتاً الكلام عن صيغة العظمة إلى أعظم منها بذكر الاسم الأعظم .
) فيبحان الله ) أي سبحوا الذي له جميع العظمة بمجامع التسبيح بأن تقولوا هذا القول الذي هو عَلَمه ، فهو منزه عن كل نقص ؛ ثم ذكر أوقات التسبيح إشارة إلى ما فيها من التغير الذي هو منزه عنه وإلى ما يتجدد فيها من النعم ووجود الأحوال الدالة على القدرة على الإبداع الدال على البعث ، فقال دالاً على الاستغراق بنزع الخافض مقدماً المحو لأنه أدل على البعث الذي النزاع فيه وهو الأصل ، لافتاً الكلام إلى الخطاب لأنه أشد تنبيهاً : ( حين تمسون ) أي أول دخول الليل بإذهاب النهار وتفريق النور ، فيعتريكم الملل ، ويداخلكم الفتور والكسل ، على سبيل التجدد والاستمرار ، وأكد الندب إلى التسبيح بإعادة المضاف فقال : ( وحين تصبحون ( بتحويل الأمر فتقومون أحياء بعد ان كنتم أمواتاً فتجدون نهاراً قد أضاء بعد ليل كان دحى ، فتفعلون ما هو سبحانه منزه عنه من الحركة والسعي في جلب النفع ودفع الضرر ، وأرشد السياق غلى أن التقدير : وله الحمد في هذين الجنسين .
ولما ذكر ما يدل على خصوص التنزيه ، اتبعه ما يعرف بعموم الكمال ، فقال ذاكراً لوقت كمال النهار وكمال الظلام ، وتذكيراً بما يحدث عندهما للآدمي من النقص بالفتور والنوم اعتراضاً بين الأوقات للاهتمام بضم التحميد غلى التسبيح : ( وله ) أي وحده مع النزاهة عن الشوائب النقص ) الحمد ) أي الإحاطة بأوصاف الكمال .
ولما قدم سبحانه أن تنزهه ملأ الأزمان ، وكان ذلك مستلزماً لملء الأكوان ، وكان إثبات الكمال أبين شرفاً من التنزيه عن النقص ، صرح فيه بالقبيلين فقال : ( في السماوات ) أي الأجرام العالية كلها التي تحريكها - مع أنها من الكبر في حد لا يحيط به غلا هو سبحانه - سبب للإمساء والإصباح وغيرهما من المنافع ) والأرض ( التي فيها من

الصفحة 609