كتاب نظم الدرر فى تناسب الآيات والسور - العلمية (اسم الجزء: 5)

صفحة رقم 61
في هذه السورة وغيرهما مما تقدم قصة لها كما هي عند أهلها على وجوه لا يعلمها إلا قليل من حذاقهم من غير أن يخالط عالماً منهم أو من غيرهم ، ومن غير أن يقدر أحد منهم على معارضته ما أتى به في قصتها من النظم المنتج قطعاً أنه لا معلم له إلا الله المرسل له ، وأن أتى به منها شاهد لما في الصحف الأولى من ذلك بالصدق ، لأنه كلام الله ، فهو بينة على غيره لإعجازه ، فجميع الكتب الإلهية مفتقرة إلى شهادته افتقار المحتج عليه إلى شهادة الحجة ، ولا افتقار له بعد العجز عنه إلى شيء أصلاً ، فهو أعظم من آيات جميع الأنبياء اللاتي يطلبون مثلها بما لا يقايس .
ولما تبين بذلك أنهم يطعنون بما لا شبهة لهم فيه أصلاً ، أتبعه ما كان لهم فيه نوع شبهة لو وقع ، فقال عاطفاً على ) ولولا كلمة : ( ولو أنا أهلكناهم ( معاملة لهم في عصيانهم بما يقتضيه مقام العظمة ) بعذاب من قبله ) أي من قبل هذا القرآن المذكور في الآية الماضية وما قاربها ، وفي قوله ) ولا تعجل بالقرآن ( صريحاً ، وكذا في مبنى السورة ) ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى ( ) لقالوا ( يوم القيامة : ( ربنا ( يا من هو متصف بالإحسان إلينا ) لولا ) أي هلا ولم لا ) أرسلت ( ودلوا على عظمته وعلو رتبته بحرف الغاية فقالوا : ( إلينا رسولا ) أي يأمرنا بطاعتك ) فنتبع ) أي فيتسبب عنه أن نتبع ) آياتك ( التي يجيئنا بها .
ولما كان اتباعهم لا يستغرق زمان القبل قالوا : ( من قبل أن نذل ( بالعذاب هذا الذل ) ونخزى ( بالمعاصي التي عملناها على جهل هذا الخري فلأجل ذلك أرسلناك إليهم وأقمنا بك حجة عليهم ، ونحن نترفق بهم ، ونكشف عن قلوب من شئنا منهم ما عليها من الرين بما ننزل من الذكر ونجدد من الآيات حتى نصدق أمرك ونعلي شأنك ونكثر أباعك وننصر أشياعك .
ولما علم بهذا أن إيمانهم كالمتنع ، وجدالهم لا ينقطع ، بل إن جاءهم الهدى طعنوا فيه ، وإن عذبوا فبله تظلموا ، كان كأنه قيل : فما الذي أفعل معهم ؟ فقال : ( قل كل ) أي مني ومنكم ) متربص ) أي منتظر حسن عاقبة أمره ودوائر الزمان على عدوه ) فتربصوا ( فإنكم كالبهائم ليس لكم تأمل ، ولا تجوزون الجائز إلا عند وقوعه ) فستعلمون ( اي عما قريب بوعد لا خلف فيه عند كشف الغطاء ) من أصحاب الصراط ( اي الطريق الواضح الواسع ) السويّ ) أي الذي لا عوج فيه ولا نتوّ ، فهو من شأنه أن يوصل إلى المقاصد .
ولما كان صاحب الشيء قد لا يكون عالماٍ بالشيء ولا عاملاً بما يعلم منه ، قال ) ومن اهتدى ( اي من الضلالة فحصل على جميع ما ينفعه واجتنب جميع ما يضره ،

الصفحة 61