كتاب نظم الدرر فى تناسب الآيات والسور - العلمية (اسم الجزء: 5)

صفحة رقم 613
تقديم الجار دلالة على حرمة التزوج من غير النوع ، والتعبير بالنفس اظهر في كونها من بدن الرجل في قوله : ( من أنفسكم ( اي جنسكم بعد إيجادها من ذات ابيكم آدم عليه السلام ) أزواجاً ( إناثاً هن شفع لكم ) لتسكنوا ( مائلين ) إليها ( بالشهوة والألفة ، من قولهم : سكن إليه - إذا مال وانقطع واطمأن إليه ، ولم يجعلهما من غير جنسكم لئلا تنتفروا منها .
ولما كان المقصود بالسكن لا ينتظم إلا بدوام الألفة قال : ( وجعل ( اي صير بسبب الخلق على هذه الصفة ) بينكم مودة ( اي معنى من المعاني يوجب أن لا يحب واحد من الزوجين أن يصل إلى صاحبه شيء يكرهه مع ما طبع عليه الإنسان من محبة الأذى ، وإنما كان هذا معناه لأن مادة ( ودد ) مستوياً ومقلوباً تدور على الاتساع والخلو من الدو والدوية بتشديد الواو وهي الفلاة ، والود والوداد قال ي القاموس : الحب ، وقال أبو عبد الله القزاز ونقله عنه الإمام عبد الحق في واعيه : الأمنيةن تقول وددت أن ذاك كان ، وذاك لاتساع مذاهب الأماني ، وتشعب اودية الحب ، وفي القاموس : ودان : قرية قرب الأبواء وجبل طويل قرب فيد ، والمودة : الكتاب - لاتساع الكلام فيه .
وقال الإمام أبو الحسن الحرالي في شرح الأسماء الحسنى : الود خلو عن إرادة المكروه ، فإذا حصل إرادة الخير وإيثاره كان حياً ، من لم يرد سواه فقد ود ومن أراد خيراً فقد أحب ، والود أول التخلص من داء أثر الدنيا بما يتولد لطلابها من الازدحام عليها من الغل والشحناء ، وذلك ظهور لما يتهياً له من طيب الحب ، فمن ود لا يقاطع ، ومن أحب واصل وآثر ، والودود هو المبرأ من جميع جهات مداخل السور ظاهره وباطنه .
ولما كان المعنى الحسن لا يتم إلا بإرادة الخير قال : ( ورحمة ) أي معنى يحمل كلاًّ على أن يجتهد للآخر في جلب الخير ، ودفع الضير ، لكن لما كانت إرادة الخير قد تكون بالمن ببعض ما يكره جمع بين الوصفين ، وهما من الله ، والفرك - وهو البغض - من الشيطان .
ولما كان ذلك من العظمة بمكان يجل عن الوصف ، اشار إليه بقوله مؤكداً لمعاملتهم له بالإعراض عما يهدي إليه معاملة من يدعي أنه جعل سدى من غير حكمة ، مقدماً الجار إشارة إلى أن دلالته في العظم بحيث تتلاشى عندها كل آية ، وكذا غيره مما ان هكذا علىنحو
77 ( ) وما نريهم من آية إلا وهي أكبر من أختها ( ) 7
[ الزخرف : 48 ] : ( إن في ذلك ( اي الذي تقدم من خلق الأزواج على الحال المذكور وما يتبعه من المنافع ) لآيات ( واضحات على قدرة فاعلة وحكمته .
ولما كان هذا المعنى مع كونه دقيقاً يدرك بالتأمل قال : ( لقوم ) أي رجال أو في

الصفحة 613