كتاب نظم الدرر فى تناسب الآيات والسور - العلمية (اسم الجزء: 5)

صفحة رقم 616
والخافقين ، افتتح بالرؤية آية أخرى جامعة لهما لكونها ناشئة عنهما مع كونها أدل على المقصود جامعة بين الترغيب والترهيب فقال : ( ومن آياته ( ولما كان لمعان البرق جديراً بالتماع الصر عند أول رؤية ، وكان يتجدد في حين دون حين ، عبر بالمضارع حاذفاً الدال على إرادة المصدر للدلالة على التجدد المعجب منه فقال : ( يريكم البرق ) أي على هيئات وكيفيات طالما شاهدتموها تارة تأتي يما يضر وتارة بما يسر ، ولذلك قال معبراً بغاية الإخافة والإطماع لأن الغايات هي المقصودة بالذات : ( خوفاً ( اي للإخافة من الصواعق المحرقة ) وطمعاً ) أي وللاطماع في المياه الغدقة ، وعبر بالطمع لعدم الأسباب الموصلة إليه .
ولما كان البرق غالباً من المبشرات بالمطر ، وكان ما ينشأ عن الماء أدل شيء على البعث ، اتبعه شرح ما أشار إليه به من الطمع فقال : ( وينزّل ( ولما كان إمساك الماء في جهة العلو في غاية الغرابة ، قال محققاً للمراد بالإنزال من الموضع الذي لا يمكن لأحد غير دعواه ) من السماء ماء ( .
ولما جعل سبحانه سبباً لتعقب الحياة قال : ( فيحيي به ) أي الماء النازل من السماء خاصة لأن أكثر الأرض لا تسقى بغيره ) الأرض ) أي أي بالنبات الذي هو لها كالروح لجسد الإنسان ، ولما كانت الأرض ليس لها من ذاتها في الإنبات إلا العدم ، وكان إحياؤها به متكرراً ، فكان كأنه دائم ، وكان ذلك أنسب لمقصود السورة حذف الجار قائلاً : ( بعد موتها ) أي بيبسة وتهشمه ) إن في ذلك ) أي الأمرالعظيم العالي القدر ) لآيات ( لا سيما على القدرة على البعث .
ولما كان ذلك ظاهراً كونه من الله الفاعل بالاختيار لوقوعه في سحاب دون سحاب وفي وقت دون آخر وفي بلد دون آخر ، وهلى هيئات من القوة والضعف والبرد والحر وغير ذلك من الأمر ، وكان منالوضوح في الدلالة على البعث بمكان لا يخفى على عاقل قال : ( لقوم يعقلون ( .
ولما كان جميع ما مضى من الآيات المرئيات ناشئاً عن هذين الخلقين العظيمين المحيطين بمن أنزلت عليهم هذا الآيات المسموعات بياناً لمن أشكل عليه أمر الآيات المرئيات ، ذكر امراً جامعاً للكل وهو من الوضوح بحيث لا يحتاج إلى أكثر من العقل المختوم به ما قبل فقال : ( ومن آياته ) أي على تمام القدرة وكمال الحكمة .
ولما كانت هذه الآية في الثبات لا في التجدد ، أتى بالحرف الدال علىالمصرف ليسلخ الفعل عن الاستقبال ، وعبر بالمضارع لأنه لا بد من إخراجهما عن هذا الوضع فقال : ( أن تقوم ( اي تبقى على ما تشاهدون من الأمر العظيم بلا عمد ) السماء ( أفرد لأن السماء الأولى لا تقبل النزاع لأنها مشاهدة مع صلاحية اللفظ للكل لأنه جنس ) والأرض ( على ما لهما من الجسامة والثقل المقتضي للهبوط ) بأمره ( لا بشيء سواه .

الصفحة 616