كتاب نظم الدرر فى تناسب الآيات والسور - العلمية (اسم الجزء: 5)

صفحة رقم 618
ولما كان هذا إثماً هو على طريق التمثيل لما يخفى عليهم بما هو جلي عندهم ، وكل من الأمرين بالنسبة إلى قدرته على حد سواء لا شيء في علمه أجلى من آخر ، ولا في قدرته أولى من الآخر ، قال مشيراً إلى تنزيه نفسه المقدسة عما قد يتوهمه بعض الأغبياء من ذلك : ( وله ( اي وحده ) المثل الأعلى ) أي الذي تنزه عن كل شائبة نقص ، واستولى على كل رتبة كمال ، وهو أمره الذي أحاط لكل مقدور ، فعلم به إحاطته هو سبحانه بكل معلوم ، كما تقدم في البقرة في شرح المثل
77 ( ) ألا له الخلق والأم ( ) 7
[ الأعراف : 54 ] .
ولما كان الخلق لقصورهم مقيدين بما لهم به نوع مشاهدة قال : ( في السماوات والأرض ( اللتين خلقهما ولم تستعصيا عليه ، فكيف يستعصي عليه شيء فيهما ، وقد قالوا : إن المراد بالمثل هنا الصفة ، وعندي أنه يمكن أن يكون على حقيقته تقريباً لعقولنا ، فإذا أردنا تعرفه سبحانه في الملك مثلنا بأعلى ما نعلم منملوكنا فنقول : الاستواء على العرش مثل للتدبير والتفرد بالملك كما يقال في ملوكنا : فلان جلس على سرير الملك ، بمعنى : استقل بالأمر وتفرد بالتدبير وإن لم يكن هنا سرير ولا جلوس ، وإذا ذكر بطشهه سبحانه وأخذه لأعدائه في نحو قوله تعالى :
77 ( ) يد الله فوق أيديهم ( ) 7
[ الفتح : 10 ]
77 ( ) إن بطش ربك لشديد ( ) 7
[ البروج : 12 ] مثلناه بما لو قهر سلطان اعدائه بحزمه وصحة تدبيره وكثرة جنوده فقلنا ( محق سيه أعداءه ) فأطلقنا سيفه على ما ذكر من قوته ، وإذا قيل : تجري بأعيننا ، ونحو ذل كعلمنا أنه مثل ما ةنقول إذا رأينا ملكاً حسن التدبير لا يغفل عن شيء من أحوال رعيته فقلنا ( هو في غاية اليقظة ) فأطلقنا اليقظة التي هي ضد النوم على حسن النظر وعظيم التدبير وشمول العلم ، وهذه تفاصيل مما قدمت أ ، ه مثله ، وهو أمره المحيط الذي انجلى لنا به غيب ذاته سبحانه ، وهكذا ما جاء من أمثاله نأخذ من العبارة روحها فنعلم أنه المراد ، وأن ذلك الظاهر ما ذكر إلا تقريباً للأفهام النقيسة على ما نعرف من أعلى الأمثال ، والأمر بعد ذلك أعلى مما نعلم ، ولذلك قال تعالى : ( وهو ) أي وحده ) العزيز ) أي الذي إذا أراد شيئاً كان له في غاية الانقياد كائناً ما كان ) الحكيم ) أي الذي إذا أراد شيئاً أتقنه فلم يقدر غيره على التوصل إلى نقص شيء نه ، ولا تتم حكمة هذا الكون على هذه الصورة إلا بالبعث ، بل هو محط الحكمة الأعظم ليصل كل ذي حق إلى حقه بأقصى التحرير على ما نتعارفه وإلا لكان الباطل أحق من الحق واكثر ، فكان هذا عدم هذا الموجود خيراً من وجوده وأحكم .

الصفحة 618