كتاب نظم الدرر فى تناسب الآيات والسور - العلمية (اسم الجزء: 5)

صفحة رقم 620
ولما كانت أداة التشبيه أدل ، أثبتها فقال : ( كخيفتكم أنفسكم ) أي كما تخافون بعض من تشاركونه ممن يساويكم في الحرية والعظمة أن تتصرفوا في الأمر المشترك بشيء لا يرضيه وبدون إذن ، فظهر أن حالكم في عبيدكم مثل له فيمن أشركتموهم به موضح لبطلانه ، فإذا لم ترضوا هذا لأنفسكم وهو أن يستوي عبيدكم معكم ف يالملك فكيف ترضونه بخالقكم في هذه الشركاء التي زعمتموها فتسوونها به وهي من أضعف خلقه أفلا تستحيون ؟ .
ولما كان هذا المثال ، في الذروة من الكمال ، كان السامع جديراً بأن يقول : جل ألله ما أعلى شأن هذا البيان هل يبين كل شيء هكذا ؟ فقال : ( كذلك ) أي مثل هذا البيان العالي ) نفصل ( اي نبين ، لأن الفصل هو الميز وهو البيان ، وذلك على وجه عظيم - بما اشار إليه التضعيف مع التجديد والاستمرار : ( الآيات ) أي الدلالات الواضحات .
ولما كان البيان لا ينفع المسلوب قال : ( لقوم يعقلون ( إشارة إلىأنهم إن لم يعلموا بمقتضى ذلك كانوا مجانين ، لأن التمثيل يكشف المعاني بالتصوير والتشكيل كشفاً لا يدع لبساً ، فمن خفي عليه لم يكن له تمييز .
ولما كان جوابهم قطعاً : ليس لنا شركاء بهذا الوصف ، كان التقدير ، فلم تتبعوا في الإشراك بالله دليلاً ، فنسق عليه : ( بل ( وكان الأصل : اتبعتم ، ولكنه أعرض عنهم ، إيذاناً بتناهي الغضب للعناد بعد البيان ، وأظهر الوصف الحامل لهم على ذلك تعميماً وتعليقاً للكم به فقال : ( اتبع ( اي بتكليف أنفسهم خلاف الفطرة الأولى ) الذين ظلموا ) أي وضعوا الشيء في غير موضعه فعل الماشي في الظلام ) أهواءهم ( وهو ما يميل إليه نفوسهم .
ولماكان اتباع الهوى قد يصادف الدليل ، وإذا لم يصادف وكان من عالم رده عنه علمه قال : ( بغير علم ( إشارة إلى بعدهم في الضلال لأن الجاهل يهيم على وجهه بلا مرجح غير الميل كالبهيمة لا يرده شيء ، وأما العالم فربما رده علمه .
ولما كان هذا ربما اوقع في بعض الأوهام أن هذا يغير إرادته سبحانه ، دل بفاء السبب على أن التقدير : وهذا ضلال منهم بإرادة الله ، فلما أساؤوا بإعراقهم فيه كانت عاقبتهم السوء والخذلان ، لأنهم أبعدوا أنفسهم ع أسباب الهدى : ( فمن يهدي ( اي بغير إرادة الله ، ولفت الكلام من مظهر العظمة إلى أعظم منه بذكر الاسم الأعظم لاقتضاء الحال فقال : ( من أضل الله ( الذبي له الأمر كله ، ودل بواو العطف على أن التقدير : ليس أحد يهيدهم لأنهم ابعدوا أنفسهم عن أسباب الهدى فبعدوا عن اسباب النصر لأنهم صاروا على جرف هار في كل أمورهم ، فلذا حسن موضع تعقيبه بقوله : ( وما لهم (

الصفحة 620