كتاب نظم الدرر فى تناسب الآيات والسور - العلمية (اسم الجزء: 5)

صفحة رقم 627
بل هم أسرى الهوى المبني على محض الجهل ، وكان قد صرح بذلك عقب العديل الأول ، لمح هنا ، وترك التصريح به لإغناء الأول عنه ، واستدل عليه بدليل خالفوا فيه العادة المستمرة ، والدلالة الشهودية المستقرة ، فقال عاطفاً على ) وإذا مس ( دالاً عل خفة أحلامهم من وجه آخر غير الأول : ( وإذا ( معبراً بأداة التحقيق إشارة إلى أن الرحمة أكثر من النقمة ، وأسند الفعل إليه في مقام العظمة إشارة إلى سعة جوده فقال : ( أذقنا ( وجرى الكلام على النمط الماضي في العموم لمناسبة مقصود السورة في أن الأمر كله له في كل شيء فقال : ( الناس رحمة ( اي نعمة من غنى ونحوه لا سب لها إلا رحمتنا ) فرحوا بها ( اي فرح مطمئن بطر آمن من زوالها ، ناسين شكر من أنعم بها ، وقال : ( وإن ( بأداة الشك دلالة على أن المصائب اقل وجوداً / وقال : ( تصبهم ( غير مسند لها إليه تأديباً لعباده وإعلاماً بغزير كرمه ) سيئة ) أي شدة تسوءهم من قحط ونحوه .
ولما كانت المصائب مسببة عن الذنوب ، قال منبهاً لهم على ذلك منكراً قنوطهم وهم لا يرجعون عن المعاصي التي عوقبوا بسببها : ( بما قدمت أيديهم ) أي من المخالفات ، مسنداً له إلى اليد لأن أكثر العمل بها ) إذا هم ) أي بعد ما ساءهم وجودها مساءة نسوا بها ما خولوا فيه من النعم وجملوا له من ملابس الكرم ) يقنطون ) أي فاجاؤوا البأس ، مجددين له في كل حين من أحيان نزولها وإن كانوا يدعون ربهم في كشفها ويستعينونه لصفها مع مشاهدتهم لضد ذلك في كلا الشقين في أنفسهم وغيرهم متكرراً ، ولذلك أنكر عليه عدم الرؤية دالاً بواو العطف أن التقدير : إلم يروا في أنفسهم تبدل الأحوال ، قائلاً : ( أولم يروا ( اي بالمشاهدة والإخبار رؤية متكررةن فيعلموا علماً هو في ثباته كالمشاهد المحسوس ، وعبر بالرؤية الصالحة للبصر والبصيرة لأن مقصود السورة إثبات الأمر كله لله ، ولا يكفي فيه إلا بذل الجهد وإمعان النظر ، والسياق لذم القنوط الذي يكفي في بقية المشاهدة لاختلاف الأحوال ، بخلاف الزمر التي مقصودها الدلالة على صدق الوعد الكافي فيه مطلق العلم .
ولما كان في البسط والقبض جمع بين جلال وجمالن لفت الكلام بذكر الاسم الجامع فقال : ( أن الله ( بجلاله وعظمته ) يبسط الرزق ) أي يكثره ) لمن يشاء ( اي من عباده منهم ومن غيرهم ) ويقدر ( اي يضيق ، وإن هذا شأنه دائماً مع الشخص الواحد في أوقات متعاقبة متباعدة ومتقاربة ، ومع الأشخاص ولو في الوقت الواحد ، فلو اعتبروا حال قبضه سبحانه لم يبطروا ، ولو اعتبروا حال بسطه لم يقنطوا ، بل كان حالهم الصبر في البلاء ، والشكر في الرخاء ، والإقلاع عن الشيئة التي نزل بسببها القضاء ، فقد عرف

الصفحة 627