كتاب نظم الدرر فى تناسب الآيات والسور - العلمية (اسم الجزء: 5)

صفحة رقم 628
من حالهم متقيدون دائماً بالحالة الراهنة .
يغلطون في الأمور المتكررة المشاهدة ، فلا عجب في تقديدهم في إنكار البعث بهذه الحياة الدنيا .
ولما لم يغن أحد منهم في استجلاب الرزق قوته وغزارة عقله ودقة مكره وكثرة حيله ، ولا ضره ضعفه وقلة عقله وعجز حيلته ، وكان ذلك أمراً عظيماً ومنزعاً مع شدة ظهوره وجلالته خفياً دقيقاً كما قال بعضهم :
كم عاقل عاقل أعيت مذاهبه وجاهل جاهل تلقاه مرزوقاً
أشار سبحانه إلى عظمته بقوله ، مؤكداً لأن عملهم في شدة اهتمامهم بالسعي في الدنيا عمل من يظن تحصيلها إنما هو قدر على الاجتهاد في الأسباب : ( إن في ذلك ( اي الأمر العظيم منالأقتار في وقت والإغناء في آخر والتوسيع على شخص والتقتير على آخر ، والأمن منزوال الحاضر من النعم مع تكرر المشاهدة للزوال في النفس والغير ، واليأس من حصولها عند المحنة مع كثرة وجدان الفرج وغير ذلك من أسرار الآية ) لآيات ( اي دلالات واضحات على الوحدانية لله تعالى ةتمام العلم وكمال القدرة ، وأنه لا فاعل في الحقيقة إلا هولكن ) لقوم ) أي ذوي ههم وكفاية للقيام بما يحق لهم أن يقوموا فيه ) يؤمنون ) أي يوجدون هذاالوصف ويديمون تجديده كل وقت لما يتواصل عندهم من قيام الأدلة ، بإدامة التأمل والإمعان في التفكر ، والاعتماد في الرزق على من قال
77 ( ) ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر ( ) 7
[ القمر : 17 ] اي من طالب علم فيعان عليه فلا يفرحون بالنعم إذا حصلت خوفاً من زوالها إذا اراد القادر ، ولا يغتمون بها إذا زالت رجاء في إقبالها فضلاً من الرازق ، لأن ( أفضل العبادة انتظار الفرج ) بل هم بما عليهم من وظائف العبادة واجبها ومندوبها معرضون عما سوى ذلك ، وقد وكلوا أمر الرزق إلى من تولى أمره وفرغ من قسمه وقام بضمانه ، وهو القدير العليم .
ولما أفهم ذلك عدم الاكتراث بالدنيا لأن الاكتراث بها لا يزيدها ، والتهاون بها لا ينقصها ، فصار ذلك لا يفيد إلا تعجيل النكد بالكد والنصب ، وكان مما تقدم أن السيئة من أسباب المحق ، سبب عنه الإقبال على إنفاقها في حقوقها إعراضاً عنها وإيذاناً بإهانتها وإيقاناً بأن ذلك هو استيفاؤها واستثمارها واستنماؤها ، فقال خاصاً بالخطاب أعظم المتأهلين لتنفيذ أوامره لأن ذلك أوقع في نفوس الأتباع ، وأجدر بحسن القبول منهم والسماع : ( فآت ( يا خير الخلق ) ذا القربى حقه ( بادئاً به لأنه أحق الناس بالبر ، صلة للرحم وجوداً وكرماً ) والمسكين ( سواء كان ذا القربى أو لا ) وابن السبيل ( وهو المسافر كذلك ، والحق الذي ذكر لهما الظاهر أنه يراد به النفل لا الواجب ، لعدم ذكر بقية الأصناف ، ودخل الفقير من باب الأولى .

الصفحة 628