كتاب نظم الدرر فى تناسب الآيات والسور - العلمية (اسم الجزء: 5)

صفحة رقم 631
شركاء ) من يفعل من ذلكم ( مشيراً إلى علو رتبته بأداة البعد والخطاب الكل .
ولما كان الاستفهام الإنكاري التوبيخي في معنى النفي ، قال مؤكداً له مستغرقاً لكل ما يمكن منه ولو قل جداً : ( من شيء ) أي يستحق هذا الوصف الذي تطلقونه عليه .
ولما لزمهم قطعاً أن يقولوا : لا وعزتك ما لهم ولا لأحد منهم في شيء من ذلك من فعل ، أشار إلى عظيم ما ارتكبوه بما نتجه هذا الدليل ، فقال معرضاً عنهم زيادة في التعظيم والعظمة ، منزهاً لنفسه الشريفة منها على التنزيه ببعد رتبته الشماء من حالهم : ( سبحانه ) أي تنزه تنزهاً لا يحيط به الوصف من أن يكون محتاجاً إلى شريك ، فإن ذلك نقص عظيم .
ولما كان من أخبر بأنه فعل شيئاً أو يفعله كالإماتة والإحياء بالبعث وغيره لا يحول بينه وبينه المقاوم من شريك ونحوه ، قال : ( تعالى ( اي علواً لا تصل إليه العقول ، كما دلت عليه صيغة التفاعل ، وجرت قراءة حمزة والكسائي بالخطاب على الأسلوب الماضي ، وأذنتقراءة الباقين بالغيب بالإعراض للغضب في قوله معبراً بالمضارع غشارة إلى أن العاقل من شأنه أنه لا يقع منه شرك اصلاًن فكيف إذا كان على سبيل التجدد والاستمرار : ( عما يشركون ( في أن يفعلوا شيئاً من ذلك أو يقدروا بنوع من أنواع القدرة على أن يحولوا بينه وبين شيء مما يريد ليستحقوا بذلك أن يعظموا نوع تعظيم ، فنزهوه بالبراءة من كل معبود سواه .
ولما بين لهم سبحانه من حقارة شركائهم ما كان حقهم به أن يرجعوا ، فلم يفعلوان اتبعه ما اصابهم به على ما كان في اسلافهم عقوبة لهم على قبيح ما ارتكبوا ، استعطافاً للتوبة فقال : ( ظهر الفساد ) أي النقص في جميع ما ينفع الخلق ) في البر ( بالقحط والخوف ونحوهما ) والبحر ( بالغرق وقلة الفوائد من الصيد ونحوه من كل ما كان يحصل منه قبل .
وقال البغوي : البر البوادي والمفاوز ، والبحر المدائن والقرى التي على المياه الجارية ، قال عكرمة : العرب تسمي المصر بحراً .
ثم بين سببه بقوله : ( بما ( ولما أغنى السياق بدلالته على السيئات عن الافتعال قال : ( كشبت ) أي عملت من الشر عملاً هو من شدة تراميهم إليه وإن كان على أدنى الوجوه بما أشار إليه تجريد الفعل كأنه مسكوب من علو ، ومن شدة إتقان شره كأنه مسبوك .
ولما كان أكثر الأفعال باليد ، أسند إليها ما يراد به الجملة مصرحاً بعموم كل ما له أهلية التحرك فقال : ( أيدي الناس ( اي عقوبة لهم على فعلهم .
ولما ذكر علته البدائية ، ثنى بالجزائية فقال : ( لنذيقهم ( اي بما لنا من العظمة في رواية قنبل عن ابن كثير بالنون لإظهار العظمة في الإذاقة للبعض والعفو عن البعض ، وقراءة الباقين بالتحتانية على سنن الجالة الماضي ؛ وأشار إلى كرمه سبحانه بقوله : ( بعض الذي عملوا ) أي وباله وحره

الصفحة 631