كتاب نظم الدرر فى تناسب الآيات والسور - العلمية (اسم الجزء: 5)

صفحة رقم 633
ولما كانوا مع كثرة مرورهم على ديارهم ، ونظرهم لآثارهم ، وسماعهم لأخبارهمن لم يتعظوا ، أشير إلى أنهم عدم ، بصرف الخطاب عنهم ، وتوجيه إلى السامع المطيع ، فقال مسبباً عما مضى من إقامة الأدلة والوعظ والتخويف : ( فأقم ) أي يا من لا يفهم عنا حق الفهم سواه ، لأنا فضلناه على جميع الخلق ) وجهك ) أي لا تلفته أصلاً ) للدين القيِّم ( الذي لا عوج فيه بوجه ، بل هو عدل كله ، من التبري من الأوثان إلى التلبس بمقام الإحسان ، فالزمه واجعله بنصب عينك لا تغفل عنه ولا طرفة عين ، لكونه سهلاً فيما تسبب الإعانه عليه في الظاهر بالبيان الذي ليس معه خفاء ، وفي الباطن بالجبل عليه حتى أنه ليقبله الأعمى والأصم والأخرس ، ويصير فيه كالجبل رسوخاً .
ولما كان حفظ الاستقامة عزيزاً ، أعاد التخويف لحفظ أهلها ، فقال ميسراً الأمر بعدم استغراق الزمان بإثبات الجار ، إشارة إلى الرضا باليسير من العمل ولو كان ساعة من نهار ، بشرط الاتصال بالموت : ( من قبل ( وفك المصدر للتصريح قال : ( أن يأتي يوم ) أي عظيم ، وهو يوم القيامة ، أو الموت ، وأشار إلى تفرده سبحانه في الملك بقوله : ( لا مرد له ( ولفت الكلام في رواية قنبل من مظهر العظمة إلى أعظم منه لاقتضاء المقام ذلك وأظهر في رواية الباقين لئلا يتوهم عود الضمير إلى الدين فقال : ( من الله ( وإذا لم يرده هو لوعده بالإتيان به ، وه ذو الجلال والإكرامن فمن الذي يرده .
ولما حقق إتيانه ، فصل أمره مرغباً مرهباًن فقال : ( يومئذ ) أي إذ يأتي ) يصدعون ) أي تتفرق الخلائق كلهم فرقة قد تخفى على بعضهم بما أشار إليه الإدغام ، فيقولون : ما لنا لا نرى دجالاً كنا نعدهم من الأشرار .
ولما كان المعنى أنهم فريق في الجنة وفريق في السعير ، بين ذلك ببيان عاقبة سببه في جواب من كأنه قال : إلى أين يتفرقون ؟ قائلاً : ( من كفر ( اي منهم فعلم شيئاً ) فعليه ) أي لا على غيره ) كفره ) أي وباله ، وعلى أنفسهم يعتدون ولها يهدمون فيصيرون في ذلك اليوم إلى النار التي هم بها مكذبون ، ومن كان عليه كفره الذي أوبقه إلى الموت ، فلا خلاص له فيما بعد الفوت ، ووحد الضمير رداً له على لفظ مننصاً على أن كل واحد مجزيّ بعمله لا المجموع من حيث هو مجموع ، وإفهاماً لأن الكفرة قليل وإن كانوا أكثر من المؤمنين ، لأنهم لا مولى لهم ، ولتفرق كلمتهم ) تحسبهم جميعاً وقلوبهم شتى ) [ الحشر : 14 ] ولأنه لا اجتماع بين أهل النار ليتأسى بعضهم ببعض ، بل كل منهم في شغل شاغل عن معرفة ما يتفق لغيره ) ومن عمل صالحاً ( أي

الصفحة 633