كتاب نظم الدرر فى تناسب الآيات والسور - العلمية (اسم الجزء: 5)

صفحة رقم 635
فغير النظم ليدل مع دلالته كما ترى على ما حذف على أن إكراما لمؤمنين هو المقصود بالذات ، وهو بعينه إرغام الكافرين ، وعبر في شق المؤمنين بالمنتهى الذي هو المراد من محبة الله لأنه أسرّ .
وفي جانب الكافرين بالمبدأ الذي هو مجاز لأنه أنكأ وأضر .
ولما ختم في أول السورة الآيات الدالة على الوحدانية المستلزمة للبعث لأن به تمام ظهور الحكمة ، وانكشاف غطاء القلوب عن صفات العظمة ، بأن قيام السماء والأرض بأمره وابتع ذلك ما اشتد التحامه به ، وختمه ببعض الكافرين بعد ذكر يوم البعث ، اتبعه ذكر ما حفظ به قيلم الوجود ، وهو ارياح ، يجعله سبباً في إدرار النعم التي منها ما هو أعظم أدلة البعث وهو النبات ، وهي بجملتها دليل ذلك وسبب القرار في البر والسير في البحر الموصل لمنافع بعض البلاد إلى بعض ، وبذلك انتظم الأمر لأهل الأرض ، فاستعمل المؤمن منهم ما رزقه سبحانه من العقل في النظر في ذلك حتى أداه إلى شكره فأحبه ، واقتصر الكافر على الدأب فيما يستجلب به تلك النعم ويستكثرها ، فابطره ذلك فأوصله إلى كفره فأبغضه ، والرياح ايضاً أشبه شيء بالناس ، منها النافع نفعاً كبيراً ، ومنها الضار ضراً كثيراً ، فقال : ( ومن آياته ) أي الدلالات الواضحة الدالة علم كمال قدرته وتمام علمه الدال على أنه هو وحده الذي اقام هذا الوجود ، وكما أنه أقامه فهو يقبم وجوداً خر هو زبدة الأمر ، ومحط الحكمة ، وهو أبدع منهذا الوجود ، يبعث فيه الخلق بعد فنائهم ، ويتجلى لفصل القضاء بينهم ، فيأخذ بالحق لمظلومهم من طالمهم ، ثم يصدعهم فيجعل فريقاً منهم في الجنة دار الإعانة والكرامة ، وفريقاً في السعير غار الإهانة والملامة ) أن يرسل الرياح ( على سبيل التجدد والاستمرار ، وهي ما عدا الدبور المشار في الحديث الشريف إلى الاستعاذة منها ( اللهم اجعلها رياحاً ولا تجعلها ريحاً ) وقد تقم من شرحي لها عند
77 ( ) من يرسل الرياح بشرا ( ) 7
في النمل [ 63 ] ما فيه كفاية ، وفي جمعها المجمع عليه هنا لوصفها بالجمع إشارة إلى باهر القدرة ، فإن تحويل الريح الواحدة من جهة إلى أخرى أمر عظيم لا قدرة لغيره عليه في الفضاء الواسع ، وكذا إسكانه ، فكيف إذا كانت رياح متعاكسة ، ففي إثارتها كذلك ثم إسكانها من باهر القدرة ما لا يعلمه إلا أولو البصائر ) مبشرات ) أي لكم بكل ما فيه نفعكم من المطر والروح وبرد الأكباد ولذة العيش .
ولما كان التقدير : ليهلك بها من يشاء من عباده ، أو ليدفع عنكم ما يحصل بفقدها من نقمته من الحر ، وما يتبعه من انتشار المفسدات ، واضمحلال المصلحات ،

الصفحة 635