كتاب نظم الدرر فى تناسب الآيات والسور - العلمية (اسم الجزء: 5)

صفحة رقم 636
وطواه لأن السياق لذكر النعم ، عطف عليه قوله مثبتاً اللام إيضاحاً للمعطوف عليه : ( وليذيقكم ( وأشار إلى عظمة نعمة بالتبعيض في قوله : ( من رحمته ) أي نعمه من المياه العذبة والأشجار الرطبة ، وصحة الأبدان ، وخصب الزمان ، وما يتبع ذلك من أمور لا يحصيها إلا خالقها ، ولا يتصورها حق تصورها إلا من فقد الرياح ، من وجود الروح وزكاء الأرض وإزالة العفونة من الهواء والإعانة على تذرية الحبوب وغير ذلك ، وأشار إلى عظمة هذه النعمة وإلى أنها صارت لكثرة الإلف مغفولاً عنها بإعادة اللام فقال : ( ولتجري الفلك ) أي السفن في جميع البحار وما جرى مجراها عند هبوبها .
ولما أسند الجري إلى الفلك نزعه منها بقوله : ( بأمره ( اي بما يلائم من الرياح اللينة ، وإذا أراد أعصفها فأغرقت ، أو جعلها متعاكسة فحيرت ورددت ، حتى يحتال الملاحون بكل حيلة على إيقاف السفن لئلا تتلف .
ولما كان كل من مجرد السير في البحر والتوصل به من بلد إلى بلد نعمة في نفسه ، عطف على ) لتجري ( قوله ، منبهاً بإعادة اللام إيضاحاً للمعطوف عليه على تعظيم النعمة : ( ولتبتغوا ) أي تطلبوا طلباً ماضياً بذلك السير ، وعظم ما عنده بالتبعيض في قوله : ( من فضله ( مما يسخر لكم من الريح بالسفر للمتجر من بلد إلى بلد والجهاد وغيره ) ولعلكم ) أي ولتكونوا إذا فعل بكم ذلك على رجاء منأنكم ) تشكرون ( ما أفاض عليكم سبحانه مننعمه ، ودفع عنكم من نقمه .
ولما كان التقدير : فمن أذاقه من رحمته ، ومن كفر أنزل عليه من نقمته ، وكان السياق كله لنصر أوليائه وقهر أعدائه ، وكانت الرياح مبشرات ومنذرات كالرسل ، وكانت موصوفة بالخير كما في الصحيح عن عائشة رضي الله عنها ( فلرسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) حين يلقاه جبريل عليه السلام أجود بالخير من الريح المرسلة ) وكانت في كثرة منافعها وعمومها إن كا نت نافعة ، ومضارها إن كانت ضارة ، أشبه شيء بالرسل في إنعاش قوم وإهلاك آخرين ، وما ينشأ عنها كما ينشأ عنهم .
كما قال النبي ( صلى الله عليه وسلم ) فيما رواه الشيخان عن أبي موسى رضي الله عنه : البخاري في العلم ، ومسلم في المناقب ( مثل ما بعثني الله به من الهدى والعلم كمثل الغيث الكثير أصاب أرضاً ، فكانت طائفة منها طيبة فقبلت الماء وأنتبت الكلأ والعشب الكثير ، وكانت منها طائفة أجادب أمسكت الماء ، فنفع الله بها الناس فشربوا وسقوا وزرعوا ، وأصاب منها طائفة أجادب أمسكت الماء ، فنفع الله بها الناس فشربوا وسقوا وزرعوا ، واصاب منها طائفة أخرى إنما هي قيعان لا تمسك ماء

الصفحة 636