كتاب نظم الدرر فى تناسب الآيات والسور - العلمية (اسم الجزء: 5)

صفحة رقم 637
ولا تنبت كلاء ، فذلك مثل من فقه في دين الله ونفعه ما بعثني الله به فعلم وعلّم ومثل من لم يرفع بذلك رأساً ولم يقبل هدى الله الذي أرسلت به ) ولما كان الأمر كذلك ، عطف على قوله : ( ينصر من يشاء ) وقوله : ( ثم كان عاقبة الذين أساءوا السؤاى ( أو على ما تقديره تسبيباً عن قوله : ( فأقم وجهك للدين القيم ( : فلقد أرسلناك بشيراً لمن أطاع بالخير ، ونذيراً لمن عصى بالشر ، قوله مسلياً لهذا النبي الكريم ، عليه أفض الصلاة والتسليم ، وأتباعه ، ولفت الكلام إلى مقام العظمة لاقتضاء سياق الانتقام لها ، وأكد إشارة إلى ان الحال باشتداده وصل إل حالة اليأس ، أو لإنكار كثير من الناس إرسال البشر : ( ولقد أرسلنا ( بما لنا من العزة .
ولما كانت العناية بالإخبار بأن عادته ما زالت قديماً وحديثاً على نصر أوليائه ، قال معلماً بإثبات الجار أن الإرسال بالفعل لم يستغرق زمان القبل ، أو أن الكلام في خصوص الأمم المهلكة : ( من قبلك ( مقدماً له على ) رسلاً ( أوللتنبيه على أنه خاتم النبيين بتخصيص إرسال غيره بما قل زمانه ، وقال : ( إلى قومهم ( إعلاماً بأن بأس الله إذا جاء لا ينفع فيه قريب ولا بعيد ، وزاد في التسلية بالتذكير إشارة إلى شدة أذى القوم لأنبيائهم حيث لم يقل ( إلى قومها ) .
ولما كان إرسال الله سبباً لا محالة للبيان الذي لا لبس معه قال : ( فجاءوهم بالبينات ( فانقسم قومهم إلى مسلمين ومجرمين ) فانتقمنا ) أي فكانت معاداة المسلمين للمجرمين فينا سبباً لأنا انتقمنا بما لنا من العظمة ) من الذين أجرموا ( لأجرامهم ، وهو قطع ما أمرناهم بوصله اللازم منه وصل ما أمروا بقطعه ، فوصلوا الكفر وقطعوا الإيمان ، فخذلناهم وكان حقاً علينا قهر المجرمين ، إكراماص لمن عادوهم فينا ، وأنعمنا على الذين آمنوا فنصرناهم .
ولما كن محط الفائدة إلزامه سبحانه لنفسه بما تفضل به ، قدمه تعجيلاً للسرور تطييباً للنفوس فقال : ( وكان ) أي على سبيل الثبات والدوام ) حقاً علينا ) أي بما أوجبناه لوعدنا الذي لا خلق فيه ) نصر المؤمنين ( اي العريقين في ذلك الوصف في الدنيا والآخرةن فلم يزل هذا دأبنا في كل ملة على مدى الدهر ، فإن هذا من الحكمة التي لا ينبغي إهمالها ، فليعتد هؤلاء لمثل هذا ، وليأخذوا لذلك أهبته لينظروا من المغلوب وهل ينفعهم شيء ؟ والآية من الاحتباك : حذف أولاً الإهلاك الذي هو أثر الخذالن لدلالة النصر عليه ، وثانياً الإنعام لدلالة الانتقام عليه .

الصفحة 637