كتاب نظم الدرر فى تناسب الآيات والسور - العلمية (اسم الجزء: 5)

صفحة رقم 639
ولما كان سبحانه قد سبب عن ذلك سرور عباده لما يرجون من أثره وإن كانوا كثيراً ما يشاهدون تخلف الأثر لعوارض ينتجها سبحانه ، قال مسبباً عن ذلك مشيراً بأداة التحقق إلى عظيم فضله وتحقق إنعامه : ( فإذا اصاب ) أي الله ) به من ) أي أرض من ) يشاء ( ونبه على أن ذلك فضل منه لا يجب عليه لأحد اصلاً شيء بقوله : ( من عباده ) أي الذين لم تزل عبادته واجبة عليهم ، وهم جديرون بملازمة شكره ، والخضوع لأمره ، خاصاً لهم بقدرته واختياره ، وبين خفتهم بإسراعهم إلى الاستبشار مع احتمال العاهات ، جامعاً رداً على معنى ( من ) أو على ( العباد ) لأن الخفة من الجماعة أفحش فقال : ( إذا هم يستبشرون ) أي يظهر عليهم البشر ، وهو السرور الذي تشرق له البشرة حال الإصابة ظهوراً بالغاً عظيماً بما يرجونه مما يحدث عنه من الأثر النافع من الخصب والرطوبة واللين ؛ ثم بين طيشهم وعجزهم بقوله : ( وإن ( اي والحال أنهم ) كانوا ( في الزمن الماضي كوناً متمكناً في نفوسهم ، وبين رب يأسهم من استبشارهم دلالة على سرعة انفعالهم وكثرة تقلبهم بالجار ، فقال : ( من قبل أن ينزل ) أي المطر بأيسر ما يكون عليه سبحانه ) عليهم ( ثم أكد عظم خفتهم وعدم قدرتهم بقوله : ( من قبله ) أي الاستبشار سواه من غير تخلل زمان يمكن أن يدعي لهم فيه تسبب المطر ) لمبلسين ) أي ساكتين على ما في أنفسهم تحيراً ويأساً وانقطاعاً ، فلم يكن لهم على الإتيان بشيء من ذلك حيلة ، ولا لمعبوداتهم صلاحية له باستقلال ولا وسيلة .
ولما انكشف بذلك الغطاء ، وزاحت الشبه أعرض سبحانه عنهم على تقدير أن يكون ( ترى ) لمن فيه أهلية الرؤية بأنه ل افهم لهم ملتفتاً إلى خلاصة الخلق الصالح للتلقي عنه قائلاً مسبباً عن ذلك : ( فانظر ( ولما كان المراد تعظيم النعمة ، وأن الرزق أكثر من الخلق ، عبر بحرف الغاية إلى تأمل الأقصى بعد تأمل الأدنى فقال : ( إلى آثار ( ولما لم يكن لذلك سبب سوى سبق رحمته لغضبه قال : ( رحمت الله ( للجامع لمجامع العظة ، وأظهر ولم يضمر تنبيهاً على ما في لك من تناهي العظمة في تنوع الزروع بعد سقيا الأرض واهتزازها بالنبات واخضرار الأشجار واختلاف الثمار ، وتكون الكل من ذلك الماء .
ولما كان هذا من الخوارق العظيمة ، ولكنه قدتكرر حتى صار مألوفاً ، نبه على عظمته بأنه أهل لأن يسأل عنه فقال : ( كيف يحيي ) أي هذا الأثر أو الله مرة بعد أخرى ) الأرض ( بإخراج ما ذكر منها .
ولما كانت قدرته إحيائها دائة - على ما أشار إليه المضارع ودعا إليه مقصود السورة ، أشار إلى ذلك أيضاً بترك الجار فقال : ( بعد موتها ( بانعدام ذلك .

الصفحة 639