كتاب نظم الدرر فى تناسب الآيات والسور - العلمية (اسم الجزء: 5)

صفحة رقم 64
يراد بالحساب الجزاء ، فيكون ذلك تهديداً بيوم بدر والفتح ونحوهما ، ويكون المراد بالناس حينئذ قريشاً أو جميع العرب ، والحساب : إحصاء الشيء والمجازاة عليه بخير أو شر ) وهم ) أي الحال أنهم من أجل ما في جبلاتهم من النوس ، وهو الاضطراب الموجب لعدم الثبات على حالة الأمن ، أنقذه الله منهم من هذا النقص وهم قليل جداً ) في غفلة ( فهي تعليل لآخر تلك على ما تراه ، لأنهم إذا نشروا علموت ، وإذا أبادتهم الوقائع علموا هم بالموت ، ومن بقي منهم بالذل المزيل لشماخة الكبر ، أهل الحق من أهل الباطل ، وقوله : ( معرضون ( كالتعليل للغفلة ، أي أحاطت بهم الغفلة بسبب إعراضهم عما يأتيهم منا ، وسيأتي ما يؤيد هذا في قوله آخرها ) بل كنا ظالمين ( وإلا فالعقول قاضية بأنه لا بد من جزاء المحسن والمسيء .
وقال الإمام أبو جعفر بن الزبير في برهانه : لما تقدم قوله سبحانه
77 ( ) لا تمدن عينيك - إلى قوله - فستعلمون من اصحاب الصراط السوي ومن اهتدى ( ) 7
[ طه : 131 ] قال تعالى ) اقترب للناس حسابهم وهم في غفلة معرضون ) أي لا تمدن عينيك إلى ذلك فإني جعلته فتنة لمن ناله بغير حق ، ونسأل عن قليل ذلك وكثيره
77 ( ) لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ لنَّعِيمِ ( ) 7
[ التكاثر : 8 ] والأمر قريب ) اقترب الناس حسابهم ( وأيضاً فإنه تعالى لما قال
77 ( ) تنذر به قوما لدا ( ) 7
وهم شديدو الخصومة في الباطل ، ثم قال
77 ( ) وكم أهلكنا قبلهم من قرن ( ) 7
[ مريم : 74 ] إلى آخرها ، استدعت هذه الجملة بسط حال ، فابتدئت بتأنيسه عليه الصلاة السلام وتسليتة ، حتى لا يشق عليه لددهم ، فتضمنت سورة طه من هذا الغرض بشارته بقوله
77 ( ) ما أنزلنا عليك القرآن اتشقى ( ) 7
[ طه : 2 ] وتأنيسه بقصة موسى عليه السلام وما كان من حا ل بني إسرائيل وانتهاء أمر فرعون ومكابدة موسى عليه السلام لرد فرعون ومرتكبه إلى أن وقصه الله ، وأهلكه ، وأورث عباده أرضهم وديارهم ، ثم اتبعت بقصة آدم عليه السلام ليرى نبيه ( صلى الله عليه وسلم ) سنته في عباده حتى أن آدم عليه السلام وإن لم يكن امتحانه بذريته ولا مكابدته من أبناء جنسه - فقد كابد من إبليس ما قصه الله في كتابه ، وكل هذا تأنيس للنبي ( صلى الله عليه وسلم ) ، فإنه إذا تقرر لديه أنه سنة الله تعالى في عبادة هان عليه لدد قريش ومكابدتهم ، ثم ابتدئت سورة الأنبياء ببقية هذا التأنيس ، فبين اقتراب الحساب ووقوع يوم الفصل المحمود فيه ثمرة ما كوبد في ذات الله والمتمنى فيه أن لو كان ذلك أكثر والمشقة أصعب لجليل الثمرة وجميل الجزاء ، ثم اتبع ذلك سبحانه بعظات ، ودلائل وبسط آيات ، وأعلم أنه سبحانه قد سبقت سنته بإهلاك من لم يكن منه الإيمان من متقدمي القرون وسالفي الأمم
77 ( ) ما ءامنت قبلهم من قرية أهلكناها ( ) 7
[ الأنبياء : 6 ] وفي قوله
77 ( ) أفهم يومنون ( ) 7
[ الأنبياء : 6 ] تعزية لرسول الله

الصفحة 64