كتاب نظم الدرر فى تناسب الآيات والسور - العلمية (اسم الجزء: 5)

صفحة رقم 643
تقوى به القلوب ، وتحمى له الأنوف ، وتشمخ من جرائه النفوس ) ضعفاً ( رداً لما لكم إلى أصل حالكم .
ولما كان بياض الشعر يكون غالباً من ضعف المزاج قال : ( وشيبة ( وهي بياض في الشعر ناشىء من برد في المزاج ويبس يذبل بهما الجسم ، وينقص الهمة والعم ، وذلك بالوقوف من الثالثة والأربعين ، وهو أول سن الاكتهال وبالأخذ في النقص بالفعل بعد الخمسين غلى ان يزيد النقص في الثالثة والستين ، وهو أول سن الشيخوخة ، ويقى الضعف إلى ما شاء الله تعالى .
ولما كانت هذه هي العادة الغالبة وكان الناس متفاوتين فيها ، وكان من الناس من يطعن في السن وهو قوي ، أنتج ذلك كله - ولا بد - التصرف بالاختيار مع شمول العلم وتمام القدرة فقال : ( يخلق ما يشاء ( اي من هذا وغيره ) وهو العليم ) أي البالغ العلم فهو يسبب ما أراد من الأسباب لما يريد إيجاده أو إعدامه ) القدير ( فلا يقدر أحد على إبطال شيء من أسبابهن فلذلك لا يتخلف شيء اراده عن الوقت الذي يريده فيه أصلاً ، وقدم صفة العلم لاستتباعها للقدرة التي المقام لها ، فذكرها إذن تصريح بعد تلويح ، وعبارة بعد إشارة .
ولما ثبتت قدرته على البعث وغيره ، عطف على قوله أول السورة ) ويوم تقوم الساعن يبلس المجرمون ( أو على ما تقديره : فيوم يريد موتكم تموتون ، لا تستأخرون عن لحظة الأجل ولا تستقدومن ، قوله : ( ويوم تقوم الساعة ) أي القيامة التي هي إعادة الخلائق الذين كانوا بالتدريج في ألوف من السنين لا يعلم مقدارها إلا الله تعالى في أقل من لمح البصر ، ولذا سميت بالساعة إعلاماً بيسرها عليه سبحانه ) يقسم المجرمون ( أيالعريقون في الإجرام جرياً منهم على ديدن الجهل في الجزم بما لم يحيطوا به علماً : ( ما ) أي أنهم ما ) لبثوا ( في الدنيا والبرزخ ) غير ساعة ) أي قدر يسير من ليل أو نهار .
ولما كان هذا أمراً معجباً لأنه كلام كذب بحيث يؤرث اشد الفضيحة والخزى في ذلك الجمع الأعظم مع أنه غير مغن شيئاً ، استأنف قوله تنبيهاً على أنه الفاعل له : فلا عجب ) كذلك ( اي مثل ذلك الصرف عن حقائق الأمور إلى شكوكها ) كانوا ( في الدنيا كوناً هو كالجبلة ) يؤفكون ) أي يصرفون عن الصواب الذي منشأه تحري الصدق والإذعان للحق غلى الباطل الذي منشأه تحري المغالبة بصرفنا لهم ، فإنه لا فرق في قدرتنا وعلمنا بين حياة وحياة ، ودار ودار ، ولعله بنى الفعل للمجهول إشارة إلى سهولة انقيادهم إلى الباطل مع أيّ صارف كان .

الصفحة 643