كتاب نظم الدرر فى تناسب الآيات والسور - العلمية (اسم الجزء: 5)

صفحة رقم 645
إيساغ الحلية فيي وجه يزيل ما ظهر من التقصير لأنهم لا عذر لهم وإن بالغوا في إثباته ، والعبارة شديدة جداً من حيث كانت تعطي أن من وقع منه ظلم ما يوماً ما كان هذا حاله ، وهي تدل على أنه تكون منهم معاذير ، وترقق كثير ، وتذلل كبير ، فلا يقبل منه شيء - هذا على قراءة الجماعةيتأنيث الفعل وهي أبلغ من قراءة الكوفيين للعصاة من المؤمنين ، فإن منهم من ينفعه الاعتذار فيعفى عنه ، ويشهد لهذا ما ورد في آخر أهل النار خروجاً منها أنه يسأل في صرف وجهه عنها ويعاهد ربه سبحنه أنه لا يسأله غير ذلك ، فإذا صرفه عن ذلك رأى شجرة عظيمة فيسأل أنيقدمه غلى ظلها فيقول الله : ألست أعطيت العهود والمواثيق أن لا تسال ؟ فيقولك بلى يارب ولكن لا أكون أشق منه أن يزيل العتب لأن ذلك لا يمكن إلا بالعمل ، وقد فات محله ، فأتت المغفرة من وراء ذلك كله .
ولما كان العتاب من سنة الأحباب قال : ( ولا هم ) أي والذين وضعوا الأشياء في غير مواضعها ) يستعتبون ) أي يطلب منهم ظاهراً أوباطناً بتلويح أو تصريح أن يزيلوا ما وقعوا فيه مما يوجب العتب ، وهو الموجدة عن تقصير يقع فيه المعتوب ، لأن ذلك لا يكون إلا بالطاعة وقد فات محلها بكشف الغطاء لفواتالدار التي تنفع فيها الطاعات لكونها إيماناً بالغيب ، والعبارة تدل على أن المؤمنين يعاتبون عتاباً يلذذهم .
ولما أبانت هذه السورة طرق الإيمان ايّ بيان ، وألقت على وجوه أهل الطغيان غاية الخزي والهوان ، وكان التقدير : لقد أتينا في هذه السورة خاصة بعد عموم ما في سائر القرآن بكل حجة لا تقوم لها الأمثال ، ولم نبق لأحد عذراً ولا شيئاً من إشكال ، لكونها ليس لها في وضوحها مثال ، عطف عليه قوله صارفاً الكلام إلى مقام العظمة تقبيحاً لمخافتهم لما يأتي من قبله وترهيباً من الأخذ مؤكداً لأنهم ينكرون أن يكون في القرآن دلالة ، ومن أقر منهم مع الكفر فكفره قائم مقام إنكاره : ( ولقد ضربنا ( .

الصفحة 645