كتاب نظم الدرر فى تناسب الآيات والسور - العلمية (اسم الجزء: 5)

صفحة رقم 71
ولما تم ذلك على هذا الوجه ، نبه أنه يتعين على كل ذي لب الإقبال عليه والمسارعة إليه ، فحسن جداً قوله منكراً عليهم منبهاً على أن علم ذلك لا يحتاج إلى غير العقل المجرد عن الهوى : ( أفلا تعقلون ( .
ولما كان التقدير : فإن عدلتم بقبوله شرفناكم ، وإن ظلمتم برده عناداً أهلكناكم كما أهلكنا من كان قبلكم ، عطف عليه قوله : ( وكم قصمنا ) أي بعظمتنا ) من قرية ( جعلناها كالشيء اليابس الذي كسر فتباينت أجزاؤه ، والإناء الذي فت فانكب ماؤه ؛ وأشار بالقصم الذي هو أفظع الكسر إلى أنها كانت باجتماع الكلمة وشدة الشكيمة كالحجر الرخام في الصلابة والقوة ، و ( كم ) في هذا السياق يقتضي الكثرة ، ثم علل إهلاكها وانتقالها بقوله : ( كانت ظالمة ( ثم بين الغنى عنها بقوله : ( وأنشأنا ) أي بعظمتنا .
ولما كان الدهر لم يخل قط بعد آدم من إنشاء وإفناء ، فكان المراد أن الإنشاء بعد الإهلاك يستغرق الزمان على التعاقب ، بياناً لأن المهلكين ضروا أنفسهم من غير افتقار إليهم ، اسقط الجار فقال : ( بعدها قوماً ) أي الأقوياء ، وحقق أنهم لا قرابة قريبة بينهم بقوله : ( ءاخرين ( ثم بين حالها عند إحلال البأس بها فقال : ( فلما أحسوا ( اي أدرك أهلها بحواسهم ) باسنا ( اي بما فيه من العظمة ) إذا هم ) أي من غير توقف أصلاً ) منها ) أي القرية ) يركضون ( هاربين عنها مسرعين كمن يركض الخيل - أي يحركها - للعدو ، بعد تجبرهم على الرسل وقولهم لهم
77 ( ) لنخرجكم من أرضنا أو لتعدن في ملتنا ( ) 7
[ إبراهيم : 13 ] فنادهم لسان الحال تقريعاً تبشيعاً لحالهم وتفظيعاً : ( لا تركضوا ( وصور التهكم بهم بأعظم صورة فقال : ( وارجعوا ( إلى قريتكم ) إلى ما ( .
ولما كان الاسيف إنما هو على العيش الرافه لا على كونه من معط معين ، بني للمفعول قوله : ( أترفتم فيه ) أي منها ، ويجوز أن يكون بني للمجهول إشارة إلى غفلتهم عن العلم لمن أترفهم أو إلى أنهم كانوا ينسبون نعمتهم إلى قواهم ، ولو عدوها من الله لشكروه فنفعهم .
ولما كان أعظم ما يؤسف عليه بعد العيش الناعم المسكن ، قال : ( ومساكنهم ) أي التي كنتم تفتخون بها على الضعفاء من عبادي بما أتقنتم من بنائها ، وأوسعتم من فنائها ، وعليتم من مقاعدها ، وحسنتمك نم مشاهدها ومعاهدها ) لعلكم تسألون ( في الإيمان بما كنتم تسألون ، فتابوا بما عندكم من الأنفة ومزيد الحمية والعظمة ، أو تسألون في الحوائج والمهمات ، كما يكون الرؤساء في مقاعدهم العلية ، ومراتبهم البهية ، فيجيبون سائلهم بما شاؤوا على تؤدة وأحووال مهل تخالف أحوال الراكض العجل
77 ( ) أولم تكنوا أقسمتم من قبل ما لكم من زوال ( ) 7
[ إبراهيم : 44 ] .

الصفحة 71