كتاب نظم الدرر فى تناسب الآيات والسور - العلمية (اسم الجزء: 5)

صفحة رقم 73
ويهيج النفوس ، ويشرح الصدور ، ويريح الأرواح ويبعث إلى الاعتبار ، كلَّ من له استبصاراً ، للدلالة على حكمتنا ووجوب وحدانيتنا فاتخذتم أنتم ما زاد على الحاجة لهواً صاداً عن الخير ، داعياً إلى الضير .
ولما نفى عنه اللعب ، أتبعه دليله فقال : ( لو اردنا ) أي على عظمتنا ) أن نتخذ لهواً ( يكون لنا ومنسوباً في لهوه إلينا ، واللهو - قال الأصفهاني : صرف الهم عن النفس بالقبيح .
) لاتخذناه ) أي بما لنا من العظمة ) من لدنا ( اي مما يليق أن ينسب إلى حضرتنا بما لن امن تمام القدرة وكمال العظمة ، وباهر الجلالة والحكمة ، وذلك بأن يكون محض لهو لا جد فيه أصلاً ، ولا يخلطه شيء من الكدر ، ولا يتوقف من يراه في تسميته لهواً ، لا يكون له عنده اسم غير ذلك كما لو أن شمساً أخرى وجدت لم يتوقف أحد في تسميتها شمساً كما قال تعالى في السورة الماضية
77 ( ) وقد ءاتيناك من لدنا ذكرا ( ) 7
[ طه : 99 ] أي فهو بحيث لا يتوقف أحد في أنه من عندنا ، وأنه ذكر وموعظة كما مضى ، لكنا لم نرد ذلك فلم يكن ، وما اتخذتموه لهواً فإنا خلقناه لغير ذلك بدليل ما فيه من الشواغل والمنغصاتوالقواطع فاتخذتموه أنتم من عند أنفسكم لهواً ، فكان أكثره لكم ضراً وعليكم شراً ، وخص الحرالي ) عند ( بما ظهر ، و ) لدن ( بما بطن ، فعلى هذا يكون المراد : من حضرتنا الخاصة بنا الخفية التي لا يطلع عليها غيرنا ، لأن ما للملك لا يكون مبتذلاً ، وكذلك لم يذكر إلا ما يتحقق المكذبون بالبعث وؤيته فوحد السماء هنا وجمعها في غير هذا الموضع لاقتضاء الحال ذلك .
ولما كان هذا مما ينبغي أن تنزه الحضرة القدوسية عنه وعن مجرد ذكره ولو على سبيل الفرض ، أشار إلى ذلك بأداة شرط أخرى فقال : ( إنا كنا فاعلين ) أي له ، ولكنه لا يليق بجنابنا فلم نفعله ولا نكون فاعلين له ) بل ( وإشعار لهذا المعنى بالقذف والدمغ تصويراً للحق بجعل الحق كأنه جرم صلب كالصخرة قذف بها على جرم رخو أجوف فقال : ( نقذف ) أي إنما شأننا أن نرمي رمياً شديدأ ) بالحق ( الذي و هذا الذكر الحكيم الذي أنزلناه جدالً كله وثباتاً جميعه لا لهو فيه ولا باطل ، ولا هو مقارب لشيء منهما ، ولا تقدرون أن تتخذوا شيءاً منه لهواً اتخاذاً يطابقكم عليه منصف ، فنحن نقذف به ) على الباطل ( الذي أحدثتموه من غير أنفسكم ) فيدمغه ( اي فيمحقه محق المكسور الدماغ ) فإذا هو ( في الحال ) زاهق ) أي ذاهب الروح اي هلاك ؛ ثم عطف على ما أفادته ( إذا ) قوله : ( ولكم ( ) ولكم ) أي وإذا لكم أيها المبطلون ) الويل مما تصفون ) أي من وصفكم لكل شيء بما تهوى أنفسكم من غير إذن منا لكم ، لأنكم لا تقفون على حقائق الأمور ، فإن وصفتم القرآن بشيء مما تقدم ثم عليه ثم قذفنا عليه بما يبين بطلانه ، بان

الصفحة 73