كتاب نظم الدرر فى تناسب الآيات والسور - العلمية (اسم الجزء: 5)
صفحة رقم 76
والأراضي وما فيهما المتفرد بالتدبير ، كما يتفرد الملك الجالس على السرير ) عما يصفون ( مما يوهم نقصاً ما ، ثم علل ذلك بقوله : ( لا يسأل ) أي من سائل ما ) عما يفعل ) أي لا يعترض عليه لأنه كفوء له في علم ولا حكمة ولا قدرة ولا عظمة ولا غير ذلك ، فليس في شيء من أفعاله لإتقانها موضع سؤال ، فمهما أراد كان ومهما قال فالحسن الجميل ، فلو شاء لعذب أهل سماواته وأهل أرضه ، وكان ذلك منه عدلاً حسناً ، وهذا مما يتمادح به أولو الهمم العوال ، كما قال عامر الخصفي في هاشم بن حرملة بن الأشعر :
أحيا أباه هاشم بن حرملة يوم الهبات ويوم اليعمله ترى الملوك عنده مغربلة يقتل ذا الذنب من لا ذنب له
قال ابن هشام في مقدمة السيرة قبل ( أمر البسل ) بقليل : أأنشدني أبو عبيدة هذه الأبيات وحدثيني أن هاشماً ، ثم قال البيت الثاني فلم يعجبه ، ثم قال الثالث فلم يعجبه ، فلما قال الرابع ( ويقتل ذا الذنب ومن لا ذنب له ) أعجبه فأثابه عليه ، ومن أعجب ما رأيت في حكم الأقدمين أن الشهر ستاني قال في الملل : وقد سأل بعض الدهرية أرسطاطاليس فقال : إذا كان لم يزل ولا شيء غيره ثم أحدث العالم فلم أحدثه ؟ فقال : ( لِمَ ) غير جائز عليه ، لأن لم تقتضي علة والعلة محمولة فيما هي علة له من معلّ فوقه ولا علة فوقه ، وليس بمركب فتحمل ذاته العلل ، فلم عنه منفية .
) وهم يسألون ( من كل سائل لما في أفعالهم نم الاختلال بل يمنعون عن أكثر ما يريدون .
ولما قام ا لدليل ، ووضح السبيل ، واضمحل كل قال وقيل ، فانمحقت الأباطيل ، قال منبهاً لهم على ذلك : ( أم ) أي رجعوا عن ضلا لهم لما بان لهم غيهم فيه فوحدوا الله أم ) اتخذوا ( ونبه على كل شيء دونه وأثبت أن آلهتهم بعض من ذلك بإثبات الجار فقال منبهاً لهم مكرراً لما مضى على وجه أعم ، طالباً البرهان تلويحاً إلى التهديد : ( من دونه ءالهة ( من السماء أو الأرض وغيرهما .
ولما كان جوابهم : اتخذنا ، ولا يرجع أمره بجوابهم فقال : ( قل هاتوا برهانكم ( على ما ادعيتموه من عقل أو نقل كما أثبت أنا ببرهان النقل المؤيج بالعقل .
ولما كان الكريم سبحانه لا يؤاخذ بمخالفة العقل ما لم ينضم إليه دليل النقل ، أتبعه قوله مشيراً إلى ما بعث الله به الرسل من الكتب : ( هذا ذكر ) أي موعظة وشرف