كتاب نظم الدرر فى تناسب الآيات والسور - العلمية (اسم الجزء: 5)

صفحة رقم 80
صالح والسدي : كانتا مؤتلفة طبقة واحدة ففتقها فجعلها سبع سماوات ، وكذلك الأرض كانت واحدة ففتقها فجعلها سبع طبقات .
ولما كان خلق الماء سابقاً على خلق السماوات والأرض ، قال : ( وجعلنا ) أي بما اقتضته عظمتنا ) من الماء ) أي الهمر ثم الدافق ) كل شيء حي ( مجازاً من النبات وحقيقة من الحيوان ، خرج الإمام أحمد وغيره عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال للنبي ( صلى الله عليه وسلم ) : ( أخبرني عن كل شيء ، ( فقال : ( كل شيء خلق من ماء .
) ولذلك أجاب النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ذلك الذي وجه على ماء بدر وسأله : ممن هو ؟ قوله : ( نحن من ماء .
) ولما كان هذا من تصرفه في هذين الكونين ظاهراً ومنتجاً لأنهما وكل فيهما ومن فيهما بصفة العجز عن أن يكون له تصرف ما ، تسبب عنه إنكار عدم إيمانهم فقال : ( أفلا يؤمنون ) أي بأن شيئاً منهما أو فيهما لا يصلح للإلهية ، لا على وجه الشركة ولا على وجه الانفراد ، وبأن صانعهما ومبدع النامي من حيوان ونبات منهما بواسطة الماء قادر على البعث للحساب للثواب أو العقاب ، بعد أن صار الميت تراباً بماء يسببه لذلك .
ولما كان من القدرة الباهرة ثبات الأرض من غير حركة ، ودل الماء أدل دليل على ثباتها ، وكانت الأرض أقرب في الذكر من السماء ، أتبع ذلك قوله : ( وجعلنا ( بما لنا من العظمة ) في الأرض ( جبالاً ) رواسي ) أي ثوابت ، كراهة ) أن تميد بهم ( وتضطرب فتهلك المياه كل شيء حي فيعود نفعها ضراً وخيرها شراً .
ولما كان المراد من المراسي الشدة والحزونة لتقوى على الثبات والتثبيت ، وكان ذلك مقتضياً لإبعادها وحفظها عن الذلة والليونة ، بين أنه أخرق فيها العادة ليعلم أنه قادر مختار لكل ما يريد فقال : ( وجعلنا ( بما لنا من القدرة الباهرة والحكمة البالغة ) فيها ) أي الجبال مع حزونتها ) فجاجاً ) أي مسالك واسعة سهلة ؛ ثم ابدل منها قوله : ( سبلاً ) أي مذللة للسلوك ، ولولا ذلك اتعسر أو تعذر الوصول إلى بعض البلاد ) لعلهم يهتدون ( إلى منافعهم في ديارهم وغيرها ، وإلى ما فيها من دلائل الوحدانية وغيرها فيعلموا أن وجودها لو كان بالطبيعة كانت على نمط واحد مساوية للأرض متساوية في الوصف ، وأن كونها على غير ذلك دال على أن صانعها قادر مختار متفرد بأوصاف الكمال .

الصفحة 80