كتاب نظم الدرر فى تناسب الآيات والسور - العلمية (اسم الجزء: 5)
صفحة رقم 88
- ما وضع الآن لأجل الدنيوية فيه فقال : ( ليوم القيامة ( الذي أنتم عنه - لإعراضكم عن الذكر - غافلون .
ولما جرت العادة بأن الملك قد يكون عادلاً فظلم بعض أتباعه ، بين أن عظمته في إحاطة علمه وقدرته تأبى ذلك ، فبنى الفعل للمجهول فقال : ( فلا ) أي فتسبب عن هذا الوضع أنه لا ) تظلم ) أي من ظالم ما ) نفس شيئاً ( من عملها ) وإن كان ) أي العمل ) مثقال حبة ( هذا على قراءة الجماعة بالنصب .
والتقدير على قراءة نافع بالرفع : وإن وقع أو وجد ) من خردل ( أو أحقر منه ، وإنما مثل به لأنه غاية عندنا في القلة ، وزاد في تحقيره بضمير التأنيث لإضافته إلى المؤنث فقال : ( أتينا بها ( بما لنا من العظمة في العلم والقدرة وجميع صفات الكمال فحسبناه عليها ، والميوان الحقيقي .
ووزن الأعمال على صفة يصح وزنها معها بقدرة من لا يعجزه شيء .
ولما كان حساب الخلائق كلهم على ما صدر منهم أمراً باهراً للعقل ، حقره عند عظنته فقال : ( وكفى بنا ) أي بما لنا من العظمة ) حاسبين ) أي لا يكون في الحساب أحد مثلنا ، ففيه توعد من جهة أن معنها أنه لا يروج عليه شيء من خداع ولا يقبل غلطاً ، ولا يضل ولا ينسى ، إلى غير ذلك من كل ما يلزم منه نوع لبس أو شوب نقص ، ووعد من جهة أنه لا يطلع على كل حسن فقيد وإن دق وخفي .
ولما قدم في قوله ) ما يأتيهم من ذكر من ربهم ( - الآية وغيره أنهم أعرضوا عن هذا الذكر تعللاً بأشياء منها طلب آيات الأولين ، ونبه على إفراطهم في الجهل بما ردوا من الشرف بقوله ) لقد أنزلنا إليكم كتاباً فيه ذكركم ( ومر إلى أن ختم بالتهديد بعذابه ، وأنه يحكم بالقسط ، وكان كتاب موسى عليه السلام بعد القرآن أعظم الكتب السماوية ، وكان أهل الكتاب قد أعرضوا عنه غير مرة على زمن موسى عليه السلام بعادة العجل وغيره وبعد موته مع كون المرسل ، به اثنان تاضدا على إبلاغه وتقرير أحكامه بعد أن بهرا العقول بما أتيا به من الآيات التي منها - كما بين في سورة البقرة والأعراف - التصرف في العناصر الأربعة التي هي أصل الحيوان الذي بدأ الله منها خلقه .
ومقصود السورة الدلالة على إعادته ، ومنمها ما عذب به من أعرض عن ذكر موسى وهارون عليهما السلام الذي هو ميزان العدل لما نشر من الضياء المورث للتبصرة الماحقة للظلام ، فلا يقع متبعه في ظلم ، كان الحساب تفصيل الأمور ومقابلة كل منها بما يليق به ، وذلك بعينه هو الفرقان ، قال سبحانه بعد آية الحساب عاطفاً على ( لقد نزلنا ) : ( ولقد ءاتينا ) أي بما لنا من العظمة ) موسى وهارون ) أي أخاه الذي سأل أن يشد أزره به ) الفرقان ( الذي تعاضدا على إبلاغه والإلزام بما دعا إليه حا لكونه مبيناً لسعادة الدارين ، لا يدع لبساً في أمر من الأمور ) وضياء ( لا ظلام معه ، فلا ظلم للمستبصر