كتاب نظم الدرر فى تناسب الآيات والسور - العلمية (اسم الجزء: 5)

صفحة رقم 9
القرآن ودوامه ، وما فيه من الجمع المشار إليه بالتعبير بالقرآن لجميع ما في الكتب السالفة من الأحكام أصولاً وفروعاً ، والمواعظ والرقائق ، والمعارف والآداب ، وأخبار الأولين والآخرين ، ومصالح الدارين ، وزيادته عليها بما شاء الله ، لأن كثرة الأمة على قدر جلالة الكتاب ، والتعبير عن ( لكن ) بالإشارة إلى أنه يمكن أن يمون من باب :
ولاعيب فيهم غير أن سيوفهم بهن فلول من قراع الكتائب
وأشار بالمصدر الجاري على غير الفعل في قوله ) تنزيلا ( إلى أنه يتمهل عليهم ترفقا بهم ، ولا ينزل هذا القرآن إلا تدريجا ، إزالة لشبههم ، وشرحا لصدورهم ، وتسكينا لنفوسهم ، ومدا لمدة البركة فيهم بتردد الملائكة الكرام إليهم ، كما أنه لم يهلكهم بمعاصيهم اكتفاء ببينة ما في الصحف الأولى ، بلبل أرسل إليهم رسولا لئلا يقولوا : ربنا لولا - كما اقتضته حكمته وتمت به كلمته ، ولما كان رجوعههم إلأى الدين على ما يشاهد منهم من الشدة والأنفة والسماخة التي سماهم الله به قوما لدا في غاية البعد ، شرع سبحانه بقدرته إشارة إلى أن القلوب بيده يقلبها كيف شاء كما صورها كيف شاء ، وأن شأنه الرفق والأناة ، فقال ملتفتا من التكلم إلأى الغيبة ليدل على ما افتضته النون من العظمة مقدما ما اقتضى الحال تقديمه من سكن المدعوين المعتنى بتذكرتهم وهداية من أريد منهم ) ممن خلق الأرض ( المنخفضة .
ولما قدم الأرض إعلاما بالاعتناء برحمها بالترفق بسكانها ليملأها بالإيمان منهم تحقيقا لمقصود السورة تشريفا للمنزل عليه ، أتبعها محل الإنزال على سبيل الترقي من بيت العزة إلى ما كنزة في خزانة العرش فقال ) السموات العلى ( في ستى أيام ، ولو شاء كانتا في لحظة .
ولما كان القادر قد لا يكون ملكا ، قال دالا على ملكه مادحا له بالقطع خبرا لمبتدأ محذوف : ( الرحمن ( مفتتحا بالوصف المفيض للنعم العامة للطائع والعاصي ، ثم ذكر خبرا ثانيا دالا على عموم الرحمة فقال : ( على العرش ( الحاوي لذلك كله ) استوى ) أي أخذ في تدبير ذلك منفردا ، فخاطب العباد بما يفهمونه من قولهم فلان استوى ، أي جلس معتدلا على سرير الملك ، فانفرد بتدبيره وإن لم يكن هناك سرير ولا كون عليه أصلا ، هذا روح هذه العبارة ، كما أن روح قوله عليه الصلاة والسلام الذي رواه مسلم عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما " القلوب بين إصبعين من أصابع الله يقلبها كيف يشاء " أنه سبحانه وتعالى عظيم القدرة على ذلك ، وهو عليه

الصفحة 9