كتاب نظم الدرر فى تناسب الآيات والسور - العلمية (اسم الجزء: 5)
صفحة رقم 92
من تسهل الكيد على يده - انتهى .
وفيها أيضاً أنها تدل على رجوع التسبب باطناً ، فكأنها إشارة إلى أنه بعد أن تسبب في ردهم عن عبادتها ظاهراً بما خاطبهم به ، تسبب من ذلك ثانياً باطناً بإفسادها ) لأكيدن ( أمد لأنه مما ينكر لشدة عسره ؛ والكيد : الاحتيال في الضرر ) أصنامكم ) أي هذه التي عكفتم عليها ناسين الذي خلقكم وإياها ، أي لأفعلن بها ما يسوكم بضرب من الحيلة .
ولما كان عزمه على إيقاع الكيد في جميع الزمان الذي يقع فيه توليهم في أيّ جزء تيسر له منه ، أسقط الجارّ فقال : ( بعد أن تولوا ) أي توقعوا التولي عنهان وحقق مراده بقوله : ( مدبرين ( لأنزلكم من الدليل العقلي على تحقيق الحق إذ لم تكونوا من أهله إلى الدليل الحسي على إبطال الباطل .
ولما كانوا في غاية التعظيم لأصنامهم لرسوخ أقدامهم في الجهل ، لم يقع في أوهامهم قط أن إبراهيم عليه السلام يقدم على ما قال ، وعلى تقدير إقدامه الذي هو عندهم من قبيل المحال لا يقد على ذلك ، فتولوا إلى عيدهم ، وقصد هو ما كان عزم عليه فشمر في إنجازه تشميراً يليق بتعليقه اليمين بالاسم الأعظم ) فجعلهم ) أي عقب توليهم ) جذاذاً ( قطعاً مهشمة مكسرة مفتة ، من الجذ وهو القطع ) إلا كبيراً ( واحداً ) لهم ) أي للأصنام أو لعبادها فإنه لم يكسر وجعل الفأس معه ) لعلهم ) أي أهل الضلال ) إليه ( وحده ) يرجعون ( عند إلزامه لهم بالسؤال فتقوم عليهم الحجة ، إذ لو ترك غيره معه لربما زعموا أن كلاّ يكل الكلام إلى الآخر عند السؤال لغرض من الأغراض ، فلما عادوا إلى أصنامهم فوجدوها على تلك الحال علم أنه لا بد لهم عند ذلك من أمر هائل ، فاستؤنف الإخبار عنه بقوله : ( قالوا ) أي أهل الضلال : ( من فعل هذا ( الفعل الفاحش ) بىلهتنا ( ثم استأنفوا الخبر عن الفاعل فقالوا مؤكدين لعلمهم أن ما أقامه الخليل عليه السلام على بطلانها يميل القلوب إلى اعتقاد أن هذا الفعل حق : ( إنه من الظالمين ( حيث وضع الإهانة في غير موضعها ، فإن الآلهة حقها الإكرام ، لا الإهانة والانتقام ) قالوا ) أي بضهم لبعض : ( سمعنا ( ولم يريدوا تعظيمه مع شهرته وشهرة أبيه وعظمتهما فيهم ليجترىء عليه من لا يعرفه فنكروه بقولهم : ( فتى ) أي شاباً من الشبان ) يذكرهم ) أي بالنقص والعيب ) يقال له إبراهيم ( يعنون : فهو الذي يظن أنه فعله ) قالوا ( مسببين عن هذا كارهين فإلى الله المشتكى من قوم يأخذون أكابر أهل دينهم بغير بينة بل ولا ظنة ) فأتوا به ( إلى هنا أي إلى بيت الاصنام ) على اعين الناس ( اي جهرة ، والناس ينظرون إليه نظراً لا خفاء معه حتى كأنه ماشٍ على ابصارهم ، متمكناً منها تمكن الراكب على المركوب ، وعبر بالعين عن البصر ليفهم الأكابر ، ويجمع القلة