كتاب نظم الدرر فى تناسب الآيات والسور - العلمية (اسم الجزء: 5)

صفحة رقم 94
ضرب وسطه وبقيت فيه بقية من رمق ، وإسناده الفعل ما لا يصح إسناده إليه وأمره بسؤاله بعد الإضراب عن فعله متضمن لأنه هو الفاعل .
ولما كان روح الكالم إقراره بالفعل وجعلهم موضع الهزئ لأنهم عبدوا ما لا قدرة له على دفاع أصلاً تسبب عنه قوله تعالى الدال على خزيهم : ( فارجعوا ) أي الكفرة ) إلى أنفسهم ( بمعنى أنهم فكروا فيما قال فاضطرهم الدليل إلى أن تحققوا أنهم على محض الباطل وأن هذه الشرطية الممكنة عقلاً غير ممكنة عادة ) فقالوا ( يخاطب بعضهم بعضاً مؤكدين لأن حالهم يقتضي إنكارهم لظلمهم : ( إنكم أنتم ( خاصة ) الظالمون ( لكونكم وضعتم العبادة في غير موضعها ، لا إبراهيم فإنه أصاب في إهانتهم سواء المجزّ ووافق عين الغرض ، وفي أنكم بعد أن عبدتموها ولا قدرة لها تركتموها بلا حافظ .
ولما كان رجوعهم إلى الضلال بعد هذا الإقرار الصحيح الصريح في غاية البعد ، عبر بأداته مشيراً إلى ذلك فقال : ( ثم نكسوا ) أي انقلبوا في الحال غير مستحيين مما يلزمهم من الإقرار بالسفه حتى كأنهم قبلهم قالب لم يمكنهم دفعه ) على رؤوسهم ( فصار أعلاهم أسفلهم برجوعهم عن الحق غلى الباطل ، من قولهم : نكس المريض - إذا رجع إلى حاله الأول ، قائلين في مجادلته عن شركائهم : ( لقد علمت ( يا إبراهيم ) ما هؤلاء ( لا صحيحهم ولا جريحهم ) ينطقون ( فكانوا بما فاهوا به ظانين أنه ينفعهم ، ممكنين لإبراهيم عليه السلام من جلائل المقاتل .
ولما تسبب عن قولهم هذا إقرارهم بأنهم لا فائدة فيهم ، فاتجهت لإبراهيم عليه السلام الحجة عليهم ، استانف سبحانه الإخبار عنها بقوله : ( قال ( منكراً عليهم موبخاً لهم مسبباً عن إقرارهم هذا : ( أفتعبدون ( ونبههم على أن جميع الرتب تتضاءل دون رتبة الإلهية بقوله : ( من دون الله ) أي من أدنى رتبة من تحت رتبة الملك الذي لا ضر ولا نفع إلا بيده لاستجماعه صفات الكمال .
ولما كانوا في محل ضرورة بسبب تكسير أصنامهم ، راجين من ينفعهم في ذلك ، قدم النفع فقال : ( ما لا ينفعكم شيئاً ( لترجوه ) ولا يضركم ( شيئاً لتخافوه .
ولما أثبت أن معبوداتهم هذه في حيز العدم ، فكانوا لعبادتها دونها ، استأنف تبكيتهم لذلك بأعلى كلمات التحقير التي لا تقال إلا لما هو غاية في القذارة فقال : ( أف ) أي تقذر وتحقير مني ، وفي الأحقاف ما يتعين استحضاره هنا ، ثم خص ذلك بهم بقوله : ( لكم ولما تعبدون ( ولما كانت على وجه الإشراك ، وكانت جميع الرتب تحت رتبته تعالى ، وكانت أصنامهم هذه في رتب منها سافلة جداً أثبت الجار فقال : ( من دون الله ) أي الملك الأعلى لدناءتكم وقذارتكم .
ولما تسبب عن فعلهم هذا وضوح أنه لا يقربه عاقل ، أنكر عليهم ووبخهم على

الصفحة 94