كتاب نظم الدرر فى تناسب الآيات والسور - العلمية (اسم الجزء: 5)

صفحة رقم 95
ترك الفكر تنبيهاً على أن فساد ما هم عليه يدرك ببديه العقل فقال : ( أفلا تعقلون ) أي وأنتم شيوخ قد مرت بكم الدهور وحنكتكم التجارب .
ولما وصل بهم إلى هذا الحد من البيان ، فدخصت حجتهم ، وبان عجزهم ، وظهر الحق ، واندفع الباطل ، فانقطعوا انقطاعاً فاضحاً ، أشار سبحانه إلى الإخبار عن ذلك بقوله استئنافاً : ( قالوا ( عادلين إلى العناد واستعمال القوة الحسية : ( حرقوه ( بالنار لتكونوا قد فعلتم فيه فعلاً هو أعظم مما فعل بآلهتكم ) وانصروا آلهتكم ( التي جعلها جذاذاً ؛ وأشاء التعبير - بأداة الشك وفعل الكون واسم الفاعل إلى أن أذاه لا يسوغ ، وليس الحامل عليه إلا حيلة غلبت على الفطرة الأولى السليمة - في قوله : ( إن كنتم فاعلين ) أي النصرة لها ، فإن النار أهول المعقبات وأفظعها ، فهي أزجر لمن يريد مثل هذا الفعل ، واتركوا الجدال فإنه يورث ضد ما تريدون ، ويؤثر عكس ما تطلبون ، فعزموا على ذلك فجمعوا الحطب شهراً ووضعوه في جوبة من الأرض أحاطوا بها جداراً كما في الصافات حتى كان ذلك الحطب كالجبل ، وأضرموا فيه النار حتى كان على صفة لم بوجد في الأرض قط مثلها ، حتى إن كان الطئر ليمر بها في الجو فيحترق ، ثم ألقوه فيها بالمنجنيق فقال : حسبي الله ونعم الوكيل - أخرجه البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما ، ولأبي يعلى عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) قال : ( لما القي إبراهيم عليه السلام في النار قال : اللهم إنك في السماء واحد وأنا في الأرض واحد ، عبدك ) وقال البغوي : أتاه خاون المياه فقال : إن أردت أخمدت النار ، وأتاه خازن الرياح فقال : إن شئت طيرت النار في الهواء ، فقال لإبراهيم : لا حاجة لي إليكم حسبي الله ونعم الوكيل .
فأراد الله الذي له القوة جميعاً سلامته منها ، فعبر عن ذلك بقوله سبحانه استئنافاً لجواب من زاد تشوفه إلى ما كان من أمره بعد الإلقاء فيها : ( قلنا ) أي بعظمتنا ) يا نار كوني برداً ( بإرادتنا التي لا يتخلف عنها مراد ) برداً ( .
ولما كان البرد قد يكون ضاراً قال : ( وسلاماً ( فكانت كذلك ، فلم تحرق منه إلا وثاقه .
ولما كان المراد اختصاصه عليه السلام بهذا قيده به ، ولما كان المراد حياته ولا بد ، عبر بحرف الاستعلاء فقال : ( على إبراهيم ) أي فكان ما أردنا من سلامته ، وروى البغوي من طريق البخاري عن أم شريك رضي الله عنها أن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) أمر

الصفحة 95