كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب (اسم الجزء: 5)

وثانى كل أوّل، وأصل كل متقدّم. وكان يقول: [غناء] [1] علّويه مثل نقر الطست يبقى ساعة فى السمع بعد سكوته.
وقال عبد الله بن طاهر: لو اقتصرت على رجل واحد يغنّينى لما اخترت سوى علّويه؛ لأنه إن حدّثنى ألهانى، وإن غنّانى أشجانى، وإن رجعت إلى رأيه كفانى.
وقال محمد بن عبد الله بن مالك: كان علّويه يغنّى بين يدى الأمين، فغنّى فى بعض غنائه:
ليت هندا أنجزتنا ما تعد ... وشفت أنفسنا مما تجد
وكان الفضل بن الربيع يضطغن عليه شيئا، فقال للأمين: إنما يعرّض بك ويستبطئ المأمون فى محاربته إياك؛ فأمر به فضرب خمسين سوطا وجرّ برجله حتى أخرج، وجفاه مدّة؛ حتى سأل كوثرا أن يترضّاه له فترضّاه له وردّه إلى الخدمة وأمر له بخمسة آلاف درهم [2] . فلما قدم المأمون تقرّب إليه بذلك فلم يقع له بحيث يحبّ، وقال: إن الملك بمنزلة الأسد أو النار فلا تتعرّض لما يغضبه، فإنه ربما جرى منه ما يتلفك ثم لا يقدر بعد ذلك على تلافى ما فرط منه؛ ثم قرب من المأمون بعد ذلك.
قال علّويه: أمرنا المأمون أن نباكره لنصطبح، فلقينى عبد الله بن إسماعيل المراكبى مولى عريب فقال: أيها الظالم المعتدى، أما ترحم ولا ترقّ! عريب هائمة من الشوق إليك تدعو الله وتستحكمه عليك وتحلم بك فى نومها فى كل ليلة ثلاث مرات. قال [علّويه: فقلت أمّ الخلافة زانية] [1] ومضيت معه. فحين دخلت قلت: أستوثق من الباب فإنى أعرف الناس بفضول الحجّاب؛ وإذا عريب جالسة على كرسىّ تطبخ ثلاث قدور من دجاج. فلما رأتنى قامت فعانقتنى وقبّلتنى وقالت: أىّ شىء تشتهى؟
__________
[1] زيادة عن الأغانى.
[2] فى الأغانى: «دينار» .

الصفحة 11