كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب (اسم الجزء: 5)

فقلت: قدرا من هذه القدور؛ فأفرغت قدرا بينى وبينها فأكلنا، ودعت بالنبيذ فصبّت رطلا فشربت نصفه وسقتنى نصفه؛ فما زلت أشرب حتى كدت أن أسكر.
ثم قالت: يا أبا الحسن، غنّيت البارحة فى شعر لأبى العتاهية أعجبنى، أفتسمعه [1] وتصلحه؟ فغنّت:
عذيرى من الإنسان لا إن جفوته ... صفا لى ولا إن صرت طوع يديه
وإنّى لمشتاق إلى ظلّ صاحب ... يروق ويصفو إن كدرت عليه
فصيّرناه مجلسنا. وقالت: قد بقى فيه شىء؛ فلم أزل أنا وهى حتى أصلحناه، ثم قالت: أحبّ أن تغنّى أنت أيضا فيه لحنا ففعلت، وجعلنا نشرب على اللحنين ثلاثا [2] . ثم جاء الحجّاب فكسروا الباب واستخرجونى، فدخلت على المأمون فأقبلت أرقص من أقصى الإيوان وأصفّق وأغنّى بالصوت؛ فسمع المأمون والمغنّون ما لم يعرفوه فاستطرفوه، وقال المأمون: ادن يا علّويه وردّده، فردّدته عليه سبع مرات.
فقال لى فى آخرها عند قولى: «يروق ويصفو إن كدرت عليه» : يا عليوه خذ الخلافة وأعطنى هذا الصاحب.
وقال علّويه: قال إبراهيم الموصلىّ يوما: إنى قد صنعت صوتا وما سمعه منى أحد بعد، وقد أحببت أن أنفعك به وأرفع منك بأن ألقيه عليك وأهبه لك، وو الله ما فعلت هذا بإسحاق قطّ، وقد خصصتك به، فآنتحله وادّعه، فلست أنسبه إلى نفسى، وستكسب به مالا. فألقى علىّ:
إذا كان لى شيئان يا أمّ مالك ... فإنّ لجارى منهما ما تخيّرا
فأخذته عنه وادّعيته، وسترته طول أيام الرشيد خوفا من أن أتّهم فيه وطول أيام الأمين، حتى حدث عليه ما حدث وقدم المأمون من خراسان، وكان يخرج
__________
[1] كذا بالأغانى؛ وليس فى الأصل همزة الاستفهام.
[2] فى الأغانى: «مليا» .

الصفحة 12