كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب (اسم الجزء: 5)

ابن عبادة وغيرهم من شيوخ العراق والحجاز. وكان مع كراهته للغناء أضنّ خلق الله به وأشدّهم بخلا على كل أحد حتى على جواريه وغلمانه ومن يأخذ عنه منتسبا إليه ومتعصّبا له فضلا عن غيرهم. قال: وهو صحّح أجناس الغناء وطرائقه وميّزها تمييزا لم يقدر عليه أحد قبله.
وقال محمد بن عمران الجرجانى: كان والله إسحاق غرّة فى زمانه، وواحدا فى عصره علما وفهما وأدبا ووقارا وجودة رأى وصحّة مودّة. وكان والله يخرس الناطق إذا نطق، ويحيّر السامع إذا تحدّث، لا يملّ جليسه مجلسه، ولا تمجّ الآذان حديثه، ولا تنبو النفس عن مطاولته. إن حدّثك ألهاك، وإن ناظرك أفادك، وإن غنّاك أطربك. وما كانت خصلة من الأدب، ولا جنس من العلم يتكلم فيه إسحاق فيقدم أحد على مساجلته أو مناوأته فيه.
حكى أبو الفرج عن إسحاق قال: دعانى المأمون وعنده إبراهيم بن المهدىّ وفى مجلسه عشرون جارية قد أجلس عشرا عن يمينه وعشرا عن شماله. فلما دخلت سمعت من الناحية اليسرى خطأ فأنكرته. فقال المأمون: أسمعت خطأ؟ قلت: نعم يا أمير المؤمنين. فقال لإبراهيم بن المهدىّ: هل تسمع خطأ؟ قال لا. قال:
فأعاد علىّ السؤال، فقلت: بلى والله يا أمير المؤمنين، وإنه لفى الجانب الأيسر.
فأعاد إبراهيم سمعه إلى الناحية اليسرى ثم قال: لا والله يا أمير المؤمنين ما فى هذه الناحية خطأ. فقلت: يا أمير المؤمنين، مر الجوارى اللاتى على اليمين يمسكن، فأمرهنّ فأمسكن، ثم قلت لإبراهيم: هل تسمع خطأ؟ فتسمّع ثم قال: ما هاهنا خطأ. فقلت: يا أمير المؤمنين، يمسكن وتضرب الثانية [1] ، فأمسكن وضربت الثانية [2] ، فعرف إبراهيم الخطأ فقال: نعم يا أمير المؤمنين، هاهنا خطأ. فقال المأمون عند ذلك
__________
[1] فى الأغانى: «الثامنة» .
[2] فى الأغانى: «الثامنة» .

الصفحة 2