كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب (اسم الجزء: 5)

وروى أبو الفرج أيضا عن الصّولىّ عن الحسين بن يحيى قال: قلت لعبد الله ابن العباس: إنه بلغنى لك خبر مع الرشيد أوّل ما شهرت بالغناء فحدّثنى به؛ فقال:
نعم! أوّل صوت صنعته:
أتانى يؤامرنى فى الصّبو ... ح ليلا فقلت له غادها
فلما دار [1] لى وضربت عليه بالكنكلة، عرضته على جارية [2] لنا يقال لها راحة، فاستحسنته، وأخذته عنى. وكانت تختلف إلى إبراهيم الموصلى، فسمعها يوما تغنيّه وتناغى [3] به جارية من جواريه، فآستعادها إياه فأعادته؛ فقال: لمن هذا الصوت؟
قالت: صوت قديم. قال: كذبت، لو كان قديما لعرفته. وما زال يداريها ويتغاضب عليها حتى اعترفت له أنه من صنعتى، فعجب من ذلك. ثم غناه يوما بحضرة الرشيد ليغرب به على المغنّين؛ فاستحسنه الرشيد، فقال له: لمن هذا يا إبراهيم؟
فأمسك عن الجواب وخشى أن يكذبه فينمى إليه الخبر من غيره، وخاف من جدّى إن يصدقه؛ فقال له: مالك لا تجيبنى؟ قال: ما يمكننى يا أمير المؤمنين. فاستراب بالقصّة، فأقسم الرشيد أنه إن لم يعرّفه عاقبه عقوبة توجعه، وتوهّم أنه لعليّة بنت المهدىّ أو لبعض حرمه فأستطير غضبا. فلما رأى إبراهيم الجدّ منه صدقه فيما بينه وبينه سرّا. فدعا لوقته بالفضل بن الربيع وقال له: أيصنع ولدك غناء يرويه الناس ولا تعرّفنى! فجزع وحلف بحياته وبيعته أنه ما عرف ذلك قط ولا سمع به إلا فى وقته ذلك. وساق باقى الخبر نحو ما تقدّم.
قال عبد الله بن العباس: دخل محمد بن عبد الملك الزيات على الواثق وأنا بين يديه أغنّيه وقد استعادنى صوتا فأعدته، فآستحسنه محمد بن عبد الملك [وقال: [4]] هذا والله
__________
[1] فى الأغانى: «تأتى لى» .
[2] كذا فى الأغانى. وفى الأصل: «على جارة» .
[3] كذا فى الأغانى. وفى الأصل: «تغانى» .
[4] زيادة نراها لازمة.

الصفحة 26