كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب (اسم الجزء: 5)

يا أمير المؤمنين أولى الناس بإقبالك عليه وإصغائك إليه؛ فقال: أجل! هذا والله مولاى وابن موالىّ لا يعرفون غير ذلك. فقال: ليس كل مولى يا أمير المؤمنين مولى لمواليه، ولا كل مولى يتجمّل بولائه يجمع ما جمعه عبد الله من ظرف وأدب وصحّة عقل وفضل علم وجودة شعر. فقال له: صدقت يا محمد. فلما كان من الغد جئت محمد بن عبد الملك شاكرا لحسن محضره، فقلت فى أضعاف كلامى: وأفرط الوزير، أعزّه الله تعالى، فى وصفى وتقريظى بكل شىء حتى وصفنى بجودة الشعر، وليس ذلك عندى، وإنما أعبث بالبيتين والثلاثة. ولو كان عندى أيضا شىء من ذلك لصغر عن أن يصفه الوزير ويحكيه فى هذا المجلس الرفيع المشهور [1] . فقال:
والله يا أخى لو عرفت مقدار قولك:
يا شادنا رام إذ م ... رّ فى الشّعانين [2] قتلى
يقول لى: كيف أصبح ... ت؟ كيف يصبح مثلى
لما قلت هذا القول. والله لو لم يكن لك شعر فى عمرك إلا قولك: «كيف يصبح مثلى» لكنت شاعرا مجيدا. وهذا الشعر قاله عبد الله بن العباس فى نصرانية كان يهواها ولا يصل إليها إلا إذا خرجت إلى البيعة. وله معها أخبار وأشعار له فيها أصوات. منها قوله:
إنّ فى القلب من الظّبى كلوم ... فدع اللّوم فإنّ اللّوم لوم
حبذا يوم الشّعانين وما ... نلت فيه من نعيم لو يدوم
إن أكن أعظمت أن همت به ... فالذى تركب من عذلى عظيم
لم أكن أوّل من سنّ الهوى ... فدع العذل فذا داء قديم
__________
[1] لعله «المشهود» .
[2] الشعانين: عيد للنصارى قبل الفصح بأسبوع.

الصفحة 27