كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب (اسم الجزء: 5)

ذكر أخبار محمد بن الحارث بن بسخنّر [1]
قال أبو الفرج الأصفهانى: هو من أهل الرّىّ، مولى المنصور، من ولد بهرام شوبين مرزبان الرىّ. قال: وهو مرتجل قليل الصّنعة حسن الغناء والنغم بقوّة وشجا واقتدار شديد على الغناء، وكان فى زمانه أحد المعدودين فى حسن الأدب وتمام المروءة وحسن الزّىّ والآلة، وكان عظيم التّيه رفيع الهمة، وكانت له منزلة عند المأمون. قال محمد بن الحارث: كنت مع المأمون وهو يريد بلاد الروم ومعه عدّة من المغنّين، فجلس يوما والمعتصم والعباس معه من حيث لا نراهم وهم يسمعون غناءنا؛ فغنّى المغنّون جميعا وغنّيت هزجا لإسماعيل بن جامع، فبعث إلىّ المأمون بأصل شاهشفرم [2] وقد لفّ أصله بمنديل حرير؛ فجاءنى به الغلام وقال: أعد الصوت؛ فأخذته وشممته ووثبت فأعدته قائما، ووضعت الأصل بين يدى وشربت رطلا وقلت للمغنّين: حكم لى أمير المؤمنين بالحذق والغناء. فقالوا: وكيف؟ قلت: دفع إلىّ لواء الغناء من بينكم. فقالوا: ليس كما ذكرت، ولكن حيّاك إذ أطربته، والرسول قائم فانصرف بالخبر، فما لبث أن رجع إلىّ فقال: هو كما ذكرت.
قال أبو العنبس بن حمدون: كان محمد بن الحارث أحسن خلق الله شمائل وإشارة إذا غنّى. وقال أحمد بن حمدون: صنع محمد بن الحارث [هزجا فى هذا الشعر [3]] :
أمسيت عبدا مسترقّا ... أبكى الألى سكنوا دمشقا
أعطيتهم قلبى فمن ... يبقى بلا قلب فأبقى!
__________
[1] كذا فى تصحيح كتاب الأغانى للأستاذ الشقيطى المطبوع بمصر سنة 1334 هـ. وبسختر هو أحد الأعاجم من مرازبة الرى موالى المنصور الخليفة العباسىّ الثانى. وفى الأصل: «بشخير» وهو تحريف.
[2] فى مفردات ابن البيطار: «شاهسفرم» وهو ضرب من النبات عطر الرائحة.
[3] التكملة من الأغانى.

الصفحة 32