كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب (اسم الجزء: 5)

فكأنما تلك الوجوه أهلّة ... أقمرن بين العشر والعشرينا
وكأنهنّ إذا نهضن لحاجة ... ينهضن بالعقدات من يبرينا
وأشعاره فى هذا النوع كثيرة.
روى عن الأصمعىّ قال: دخلت أنا وإسحاق بن إبراهيم الموصلىّ يوما على الرشيد فرأيناه لقس [1] النفس؛ فأنشده إسحاق:
وآمرة بالبخل قلت لها اقصرى ... فذلك شىء ما إليه سبيل
أرى الناس خلّان الكرام ولا أرى ... بخيلا له حتى الممات خليل
وإنى رأيت البخل يزرى بأهله ... فأكرمت نفسى أن يقال بخيل
ومن خير حالات التى لو علمته ... إذا نال خيرا أن يكون ينيل [2]
فعالى فعال المكثرين تجمّلا ... ومالى كما قد تعلمين قليل
وكيف أخاف الفقر أو أحرم الغنى ... ورأى أمير المؤمنين جميل!
قال: فقال الرشيد: لا تخف [3] إن شاء الله؛ ثم قال: لله درّ أبيات تأتينا بها ما أشدّ أصولها، وأحسن فصولها، وأقلّ فضولها! وأمر له بخمسين ألف درهم. فقال له إسحاق: وصفك والله يا أمير المؤمنين لشعرى أحسن منه، فعلام آخذ الجائزة! فضحك الرشيد وقال: اجعلوها مائة ألف درهم. قال الأصمعىّ: فعلمت يومئذ أن إسحاق أحذق بصيد الدراهم منّى.
قال أبو عبد الله بن حمدون: سأل المتوكل عن إسحاق، فعرّف أنه كفّ وأنه بمنزله ببغداد، فكتب فى إحضاره. فلما دخل عليه رفعه حتى أجلسه قدّام السرير وأعطاه
__________
[1] لقست نفسه (من باب فرح) : غئت وخبثت.
[2] كذا فى الأغانى وكتب الأدب.
وفى الأصل:
ومن خير خلات الفتى قد علمته ... إذا قال خيرا أن يقال نبيل
[3] كذا فى الأغانى: وفى الأصل: «لا كيف ان شاء الله» .

الصفحة 7