كتاب المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم (اسم الجزء: 5)

فَكَتَبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ إِلَيهِم فِي ذَلِكَ، فَكَتَبُوا: إِنَّا وَاللَّهِ مَا قَتَلنَاهُ،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
ما يقوِّي دعوى المدَّعي من لطخ، أو شبهة، لتعيَّن أن يستحضر ويسمع جوابه عمَّا ادعي عليه. ثم قد يختلف هذا في القرب، والبعد، وشدة الضرر، وقلَّته.
و(قوله: فكتبوا: إنَّا والله ما قتلناه! ) فيه من الفقه: الاكتفاء بالكتبِ، وبأخبار الآحاد مع إمكان المشافهة، وأن اليمين قبل استدعائها، وتوجهها لا اعتبار بها.
و(قوله للمدَّعين: [أتحلفون خمسين يمينًا] (¬1)) دليل: على أن القسامة يبدأ فيها المدَّعون بالأيمان. وهو قول معظم القائلين: بأن القسامة يُستوجب بها الدَّم. وقال مالك: الذي أجمعت عليه الأمة في القديم والحديث: أن المدَّعين يبدؤون في القسامة، وخالف في ذلك الكوفيون، وكثير من البصريين، والمدنيين، والأوزاعي. وروي عن الزهري، وعمر بن الخطاب - رضي الله عنه -، وقالوا: يُبدَأ بالمدَّعى عليهم؛ متمسكين في ذلك بالأصل الذي دلَّ عليه قوله - صلى الله عليه وسلم - للمدَّعي: (شاهداك، أو يمينه)، وبأنه قد روي هذا الحديث من طرق ذكرها أبو داود، والنسائي. ذكر فيها: أنه - صلى الله عليه وسلم - طالب المدَّعين بالبينة. فقالوا: ما لنا بيِّنة، فقال: (فتحلف لكم يهود خمسين يمينًا) (¬2). وهذا هو الأصل المقطوع به في باب الدَّعاوى؛ الذي نبَّه الشرع على حكمته بقوله: (لو أعطي الناس بدعاويهم لاستحل رجال دماء رجال وأموالهم، ولكن البيِّنة على المدَّعي، واليمين على من أنكر) (¬3). وقد أجاب الجمهور عن ذلك: بأن الصحيح المشهور المعروف من حديث حُويصة ومحيصة تبدئة المدَّعين بالأيمان. وهي رواية الأئمة الحفَّاظ
¬__________
(¬1) ما بين حاصرتين لم يرد في التلخيص ولا في صحيح مسلم، وأوردها المؤلف -رحمه الله- من سنن الترمذي (1422)، والنسائي (8/ 9).
(¬2) رواه أبو داود (4520) و (4521)، والنسائي (8/ 9).
(¬3) رواه البخاري (4552)، ومسلم (1711)، وأبو داود (3619)، والنسائي (8/ 248).

الصفحة 10