كتاب المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم (اسم الجزء: 5)

نَفسِي بِيَدِهِ لَأَقضِيَنَّ بَينَكُمَا بِكِتَابِ اللَّهِ: الوَلِيدَةُ وَالغَنَمُ رَدٌّ، وَعَلَى ابنِكَ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
ولا ينفرد بها الآحاد، بل لا بدَّ من حضور جمع كثير تلك القضيَّة، وشهرتها (¬1)، لا سيما قضية مثل هذه تُرفع إلى الإمام، ويَبعَث من يكشفها ويرجم فيها. ولا بدَّ من إحضار طائفة من المؤمنين لإقامة الحدّ كما قال تعالى (¬2)، مع صغر المدينة، فمثل هذا لا يخفى، ولا ينفرد به الواحد ولا الاثنان. وهذا كلُّه مبني: على أن أنيسًا كان حاكمًا، ويحتمل أن يكون رسولًا لها ليستفصلها، ويعضد هذا التأويل قوله في آخر الحديث: (فاعترفت فأمر بها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فرجمت) فهذا يدلُّ على أن أنيسًا إنَّما سمع إقرارها، وأن تنفيذ الحكم؛ إنما كان من النبي - صلى الله عليه وسلم - بعد سماع إقرارها من أُنَيس، حين أبلغه إيَّاه، وحينئذ يتوجَّه إشكال آخر. وهو: أن يقول: فكيف اكتفى بشاهد واحد؟ !
وقد اختلف في الشهادة على الإقرار بالزنى. هل يكتفى فيه بشهادة شاهدين كسائر الإقرارات أم لا بدَّ من أربعة كالشهادة على رؤية الزنى؟ على قولين لعلمائنا، ولم يذهب أحدٌ من المسلمين إلى الاكتفاء بشهادة واحد.
فالجواب: أن هذا اللفظ؛ الذي قال فيه: فاعترفت، فأمر بها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فرجمت. هو من رواية الليث عن الزهري. وقد روى هذا الحديث عن الزُّهري مالك، وقال فيه: فاعترفت، فرجمها (¬3). ولم يذكر: (فأمر بها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فرجمت). وعند التعارض: فحديث مالك أولى لما يعلم من حال مالك، وحفظه، وضبطه، وخصوصًا في حديث الزهري، فإنَّه أعرف الناس به. وعلى رواية مالك فظاهرها: أن أُنيسًا كان حاكمًا، فيزول الإشكال، ولو سلَّمنا: أنَّه كان رسولًا؛ فليس في الحديث ما ينصُّ على انفراد أُنيس بالشهادة عليها، فيكون غيره شهد عند
¬__________
(¬1) أي: لا بدَّ من شهرتها.
(¬2) في هذا إشارة إلى قوله تعالى: {وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} [النور: 2].
(¬3) رواه مالك في الموطأ (2/ 822).

الصفحة 106