كتاب المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم (اسم الجزء: 5)
فِي التَّورَاةِ عَلَى مَن زَنَى؟ قَالَوا: نُسَوِّدُ وُجُوهَهُمَا وَنُحَمِّلُهُمَا، وَنُخَالِفُ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
إليهم، وأن ذلك لم يكن في مسجده، بل في بيت دَرسِهم. ويرتفع هذا التَّوهُم بحديث أبي هريرة الذي ذكره أبو داود أيضًا. واستوفى هذه القصَّة، وساقها سياقة حسنة فقال: زنى رجل من اليهود وامرأة، فقال بعضهم لبعض: اذهبوا بنا إلى هذا النبي، فإنَّه نبي بُعِثَ بالتخفِيفَات، فإن أفتى بالفتيا دون الرَّجم قبلناها، واحتججنا بها عند الله. وقلنا: فتيا نبي من أنبيائك. قال: فأتَوا النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو جالسٌ في المسجد في أصحابه. فقالوا: يا أبا القاسم! ما ترى في رجل وامرأة منهم زنيا. فلم يُكلِّمهُمُ النبي - صلى الله عليه وسلم - حتى أتى بيت مدراسهم، فقام على الباب فقال: (أنشدكم بالله الذي أنزل التوراة على موسى! ما تجدون في التوراة على من زنى إذا أحصن؟ ) قالوا: يُحَمَّم، ويُجَبَّه، ويُجلَد - والتَّجبيهُ: أن يحمل الزانيان على حمار، وتقابل أقفيتهما، ويطاف بهما - قال: وسكت شابٌّ منهم. فلمَّا رآه النبي - صلى الله عليه وسلم - سكت: أَلَظَّ (¬1) به النُّشدَةَ، فقال: اللَّهم إِذ نشدتنا، فإنا نجد في التوراة الرَّجم. وساق الحديث إلى أن قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: (فإني أحكم بما في التوراة)، فأمر بهما فرجما (¬2).
فقد بيَّن في هذا الحديث: أن اليهود جاؤوا إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو في مسجده، ثمَّ بعد ذلك مشى معهم إلى بيت المدراس بعد أن سألوه عن ذلك، على ما رواه ابن عمر. وذكر في هذا الحديث أيضًا السبب الحامل لهم على سؤال النبي - صلى الله عليه وسلم -؛ وعليه يدلُّ مساق قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ لا يَحزُنكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الكُفرِ مِنَ الَّذِينَ قَالُوا آمَنَّا بِأَفوَاهِهِم وَلَم تُؤمِن قُلُوبُهُم} إلى آخر الآيات وما بعدها. وذكر أبو داود أيضًا من حديث جابر؛ فقال: جاءت اليهود برجلٍ وامرأةٍ منهم زنيا، فقال: (ائتُوني بأعلم رجلين منكم)، فأتوا بابني
¬__________
(¬1) "ألظَّ": ألحَّ.
(¬2) رواه أبو داود (4450).
الصفحة 109
648